الجمعة، 31 ديسمبر 2010

هذا هو اسلامنا

إهـــــداء

إلى من كان وسيظل أباً لي وشيخا، إلى من أحبني كتلميذ له وابناً إلى من كان خوف الله يملأ قلبه ، إلى البكّاء من خشية ربه إلى من تتلمذت على يديه ومن حبي له سرت في دربه الذي اختاره من سنة نبيه وكتاب ربه واللذين كانا له بمنزلة بصره وسمعه ، ومن ثم فقد فعلهما طيلة حياته على نفسه وذويه وعلى كل من أحبه ، ولذلك فسّر الكتاب تفسيراً وسيطا جمعه ممن كان قبله وورثه لمن جاء وسيجئ بعده ، وكان ذلك بأدب العلماء ووقارهم لينهج مَنْ بعده نهجه ، دون تعال على أحد أو تعالم على نده ، فكثيراً ما كان يقول : إنّ بركة العلم في نسبته إلى أهله ، ومن هنا فقد أعطي الناس درسا في هذه القيمة فكان نسيج وحده......

إلى من تخرجت على يديه معيداً فمدرساً مساعد فمدرساً فأستاذاً مساعداً فأستاذاً فعميداً ، ثم لفرع أسيوطاً نائباً ، ثم عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إلى رائد الوسطية في العصر الحديث ، إلى المُهذب الوقور ، إلى الزاهد الجسور إلى المنفق بسخاء على المساجد والمعاهد وبناء الطرق والجسور ، إلى صاحب القلب الكبير المتواضع في عزة والشامخ في لين. إلى روح أبي وشيخي وأستاذي إلى روح فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتــــور/ محمد سيد عطية طنطاوي – شيخ الأزهر الراحل أهدي هذا الكتاب والله أسأل أن يسكنه الفردوس الأعلى وأن يكون :  مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . سورة النساء.

ابنكم / محمود مهني محمو


شكـــر وتقــدير

إلى الرجل المصري الأصيل . وصاحب الهندسة النبيل. ورجل البر والإحسان إلى من عرف ومن لم يعرف . إلى من ذرف الدموع على رحيل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور / محمد سيد طنطاوي في حفل التأبين في سوهاج ، إلى من أودع مليون جنيه باسم فضيلة الإمام لتكون نواة جائزة عالمية للمتسامحين والمتحابين. إلى من ملأ مكاتبه بالفقراء والمساكين من أبناء المسلمين والمسيحيين ، دون تعصب أو حقد على أحد من الطائعين لربهم كل وقت وحين . إلى من قال لي : إنني يا أخي أصف الإسلام في كل رحلاتي العالمية بأنه دين لا يعرف الإرهاب ولا يحترم الإرهابيين.

إلى المهندس نجيب ساويرس رجل الأعمال الكبير، إلى من كانت هذه أخلاقه كل الشكر والتقدير على احترامه لكل رموز المسلمين والمسيحيين . إذ رأيته بعيني رأسي يقبل أيادي علماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين فتحية لك واحتراما مني ومن كل المصريين.

أخوكم

أ.د/ محمود مهني محمود

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد  وعلى آله وصحبه :. وبعد :

فإن الله تعالى بعث الأنبياء والمرسلين ليبينوا للبشرية الصلة التي

يجب أن تكون بينهم وبين خالقهم جل وعلا . وأن الهدف من خلقهم عبادته والتوكل عليه في كل مناحي حياتهم دون حاجة إليه منهم لأنه في غني عن الخلق وما يجمعون . وفى غير حاجة إلى أحد من العالمين فقال تعالى  وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "( )

والمعني : ما خلقتكم يا عبادي إلا لعبادتي وحدي والتقرب إلى بالعمل الصالح دون حاجة إليكم أو معونة منكم فأنا أغني الأغنياء وأكرم الكرماء وأنا المحمود في الأرض والسماء  يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد "( ) ومن كان فقيراً إلى الغني فلا يجب أن يكون له رجاء في ولى أو غني دون الرب العلى .

قال " فيما يرويه عن رب العزة" - يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غني وأسد فقرك . وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك .  "( )

هذا الإله العظيم أعلم الأنبياء وأصحاب الشرائع السماوية أن أباهم واحد وأمهاتهم شتي ، ومن هذا المنطلق فهم إخوة فى الإنسانية وخيرهم من جعل الله عليه رقيبا في كل حركاته وسكناته ، فلا يتصور منه أذي قولي ولا فعلي ولا نفسي ومن كان كذلك فهو من البررة الأتقياء والعباد الأسوياء .

قال تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا. " "( )

فأنت هنا ترى أن الله تعالى ينادي البشرية كلها ويأمرها بتقواه والحذر من عقابه ، فهم بقدرته مخلوقون من نفس واحدة وهي آدم عليه السلام ، ومن هذه النفس الواحدة خلقت الزوج حواء ، ومن آدم وحواء تناسلتم أيها الناس وانتشرتم في بقاع الأرض على أشكال وألوان شتي ولغات متباينة وعادات وتقاليد وسمات معينة.

قال " : إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج. " "( )

الفائدة فى تذكير البشرية بأنهم مخلوقون من أب وأم واحدة قال تعالىخلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها  الإسلام دين الرحمة والحنان وشرعه المودة والإحسان وهدفه السامي حماية الإنسان من أي أذى أو افتتان .ومن هنا فالإسلام يريد أن يحنن الإنسان على أخيه الإنسان ، ويبذل قصارى جهده لإسعاده ودفع الضرر عنه حتى وإن آذاه ومشي في كل السبل لإغوائه وشقائه وصب العذاب عليه صبا.

قال تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . " "( ) فى هذه الآية وغيرها العدل وأخذ الحق ممن ظلمني ولكن العفو أفضل كما قال الله تعالى "" فمن عفا وأصلح فأجره على الله ""وكما قال :" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ( ) وعن أبى هريرة * أن رجلا شتم أبا بكر والنبي  جالس ، فجعل النبي  يعجب ويبتسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب - " وقام : فلحقه أبو بكر : يا رسول الله إنه كان شتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ؟.

قال:  إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان ، ثم قال : يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعزه الله بها ونصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة.  ( ).

ونهاية القول في هذه المسألة ما ذكره الإمام ابن كثير في سبب تذكير الخلق بذكر الأب والأم يقول رحمه الله : ولهذا ذكر تعالى أن ( أصل الخلق) من أب وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض ويحننهم على ضعفائهم ، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي : أن رسول الله  حين قدم عليه أولئك النفر من مضر ، وهم ( مجتابوا النمار )  ( ). اى من عريهم وفقرهم- قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته : :  يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...حتى ختم الآية وقال  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد0000 ( ). ثم حضهم على الصدقة فقال  تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من صاع بره ، من صاع تمره...... .

الرسول الخاتم وصلته بأنصار المسيح عليه السلام .

قال تعالى " وإذ قال عيسي ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي أسمه احمد ...." سورة الصف رقم 6

فسيدنا عيسي عليه السلام يقول لبني إسرائيل المرسل إليهم إني مصدق بتوراة موسي والإنجيل المنزل على ومصدق كذلك بالنبي أحمد الذي ليس بيني وبينه نبي فهو قادم بعدي فاتبعوه وآمنوا به يؤتكم الله كفلين من رحمته . وصفات هذا الرسول جليه ذكرها القرآن وأشارت إليه الكتب السماوية على لسان العظيمين الكليم موسي وكلمة الله وروحه العلية عيسي عليه السلام .

يقول القرآن الكريم :  الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون"" ( ).

عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال : بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام ، فخرجنا حتى قدمنا دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغسائي ، فدخلنا عليه ، فإذا هو علي سرير له ، فأرسل إلينا برسول نكلمه ، فقلنا: والله لا نكلم رسولا إنما بعثنا إلى الملك ، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول

فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك قال : فأذن لنا ، فقال تكلموا.... ثم أرسل إلينا الملك ليلا فدخلنا عليه... ثم دعا بشي كهيئة الربعة العظيمة ( ). فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا وقفلا ، فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الإليتين ، لم أر مثل طول عنقه وإذا ليس له لحية وإنما له ضفيرتان أحسن ما خلق الله ، قال أتعرفون هذا؟ قلنا : لا قال : هذا آدم عليه السلام ، وإذا هو أكثر الناس شعراً .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط ، أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية ، فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا نوح عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين ( ). طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا :لا قال هذا إبراهيم عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فإذا فيه صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله " فقال: أتعرفون هذا ؟ قلنا : نعم . محمد رسول الله ص قال : وبكينا قال : والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس ، وقال : والله إنه لهو؟ نعم إنه لهو ، كأنك تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ، ثم قال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكن عجلته لكم لأنظر ما عندكم. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء أدماء سمحاء ، وإذا رجل جعد قطط غائر العينين ، حديد النظر ، عابس متراكب الأسنان مقلص ألشفه( ). كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا : قلنا : لا .قال: هذا موسي عليه السلام وإلى جانبه صورة تشبهه ، إلا أنه مدهان ( ). الرأس ، عريض الجبين فى عينيه قبل – بفتح القاف والباء ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا.قال : هذا هارون بن عمران عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ( ). ربعة كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا : قلنا : لا قال : هذا لوط عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة ، أقني( ). خفيف العارض، حسن الوجه ، فقال : هل تعرفون هذا؟ قلنا لا . قال : هذا إسحق عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ،فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه علي شفته خال ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا. قال : هذا يعقوب عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ،فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه، أقني الأنف ، حسن القامة ، يعلو وجهه نور ، يعرف فى وجهه الخشوع ، يضرب إلى الحمرة، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا قال : هذا إسماعيل جد نبيكم عليه السلام . ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فيها صورة كأنها آدم عليه السلام كأن وجهه الشمس ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا . قال : هذا يوسف عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش( ). الساقين . أخفش( ). العينين . ضخم البطن .ربعة متقلد سيفا ، فقال : هل تعرفون هذا؟ قلنا : لا :قال: هذا داود عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فيها صورة رجل ضخم الإليتين ، طويل الرجلين ، راكب فرسا ، فقال : هل تعرفون هذا؟ قلنا : لا . قال هذا سليمان بن داود عليه السلام .

ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، فيها صورة بيضاء ، وإذا شاب شديد سواد اللحية ، كثير الشعر ، حسن العينين ، حسن الوجه، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا عيسي ابن مريم عليه السلام قلنا: من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام ، لأنا رأينا فيها صورة نبينا عليه السلام مثله ، فقال : إن آدم عليه السلام سأل ربه- سبحانه – أن يريه الأنبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، فكان في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس ، فدفعها إلى دانيال ، ثم قال : أما والله إن نفسي طابت من الخروج من ملكي وأني كنت عبداً لأشركم ملكه حتى أموت...إلى آخر ما قال .

قال ابن كثير : هكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي رحمه الله في دلائل النبوة ( ) عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به ( ).

الرسول الخاتم يكرمه مسيحي على أرض الطائف:-

تفاقمت الأمور بين النبي الخاتم ومشركي مكة ويزداد التعنت والتكذيب بدعوة الرسول الكريم وتتعالى نغمات السخرية والاستهزاء ، ويتعاهد الكبراء من المجرمين على الكيد للرسول وأصحابه ، ويقاطع النبي وتنال الأيدي الخبيثة أصحابه بالأذى والاضطهاد وخاصة بعد موت عمه الحنون وزوجه الرءوم خديجة.

وهنا تحدثنا السيرة والتاريخ قائلين للناس جميعاكم عاني المصطفى وأصحابه .فلندع التاريخ يتحدث : يقول ابن إسحاق رحمه الله : ولما اشتد البلاء من قريش على رسول الله  بعد موت عمه أبي طالب من سفهاء قومه خرج إلي الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه ولكن الأمر كان أشد وانكي حيث نالوا منه ما لم ينل قومه وكان معه زيد بن حارثه مولاه ، فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحداً من أشرافهم إلا دعاه إلى الإسلام ولكنهم طلبوا منه الخروج من بلادهم وأغروا به السفهاء وضربوه بالحجارة حتى سالت الدماء من عقبيه الشريفتين وكان  إذا اشتد الضرب عليه قعد إلى الأرض وهنا كانوا يقيمونه فإذا مشي رجموه وهم يضحكون وزيد بن حارثه يقيه بنفسه، حتى أتي ظل شجرة فصلي ركعتين ثم قال  اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس . أنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين . وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري . إن لم يكن بك غضب فلا أبالي . غير أن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بى غضبك أو يحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك يقول ابن إسحاق : فلما رآه ابنا ربيعه– شيبة وعتبه – ورأيا ما لقي من ثقيف تحركت له رحمهما ، فبعثا إليه مع غلامهما عداس النصراني قطف عنب فلما وضع  يده فى القطف قال : بسم الله ثم أكل . ثم نظر عداس إلى وجهه وقال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة فقال  : من أي البلاد أنت ، وما دينك ؟ قال : نصراني من أهل نينوي ، قال : من قرية الرجل الصالح يونس بن متي؟ قال عداس: وما يدريك ؟ قال :ذاك أخي وهو نبي مثلي فأكب عداس على يديه ورأسه ورجليه يقبلهما . قال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس ، قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال يا سيدي ما فى الأرض خير من هذا فقد أخبرني ما لا يعلمه إلا نبي قالا : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير منه ( ). ذلك هو موقف عباد اللات والعزي وهبل وما شابههن من الأحجار التي لا تعي والأصنام التي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها حشرة ضعيفة كالذباب وهذا هو موقف المسيحية القويمة التي آمن بها عداس تلقيا عن الإنجيل الذي نزل على كلمة الله عيسي مبشراً برسول الإسلام الذي عامل بعد ذلك أهل الكتاب معاملة خاصة نطق بها المسيحيون أنفسهم كما سأذكر إن شاء الله .

المسيحية تكرم أصحاب الرسول  على أرض الحبشة .

إن الشجرة المثمرة هي التي ترمي بالحجارة حكمة ستظل ماثله أمام الأعين إلى يوم الدين صدقها التاريخ والواقع المعاش ، ومن هذا المنطلق أقول : لقد جاء سيدنا محمد رسول الله  إلى البشرية بكلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء ولكن من سمعوها دفنوا رءوسهم في التراب ورغم أن الشجرة ماثلة أمامهم وثمارها يانعة تحتاج إلى من يجتنيها بسهولة ويسر إلا أنهم أصروا على عشق شجرة الحنظل الذي هو الكفر لاثبات لصاحبه ولا استقرار ومن ثم فقد عاش هؤلاء الحيرة نفسها والبؤس جميعه وبدلا من الإيمان بالكلمة الطيبة ليعيشوا في نعيم الدنيا وخلود الآخرة في جنات ونهر عاشوا واعتنقوا أخبث ما لا يضر أو ينفع وحاربوا التوحيد ومن جاء به وأذاقوا أهله ألوان العذاب وسائر أنواع الاضطهاد وما استطاع النبي أن يدفع عن أصحابه وما يعانونه من آلام فأمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة قائلا لهم: "" إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا. ( ).

تقول السيدة أم سلمه رضي الله عنها : فخرجنا إلي الحبشة أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلي خير جار آمنا علي ديننا ولم نخش منه ظلماً ( ).

النجاشي المسيحي خير مدافع عن الرسول وأصحابه :-

تُحدثنا السيرة الصحيحة والتاريخ الصادق عن هذا الملك العادل فتبين أنه حاكم مقسط وقاض عادل ومطبق لمبدأ الشورى حتى مع من يباينه بلداً ومعتقداً فالحق حق والباطل باطل , فهو يعطي درساً لكل حاكم ويسن منهجاً هو منهج الشرائع السماوية التي تئد الظلم وأهله وتنصر الحق وصحبه. فقريش بعد الهجرة الثانية ممن هاجر إلي الحبشة أرسلت وفداً يرأسه عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعه إلي الحبشة ومعهما من الهدايا مامعهما إلي النجاشي

وبطارقته وذلك ليرد هؤلاء المهاجرين من المسلمين إلي مكة واصفاً هؤلاء الصفوة بأنهم"غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك وأنّ هذا الدين مبتدع لا تعرفه أنت أيها الملك ولا نحن . لكن الملك العادل لم يسمع إلي وفد قريش ولا إلي من حاول إقناعه من أتباعه ورأي أنْ يتحري الأمر بنفسه, ومن هنا أرسل إلي هؤلاء الأضياف من أجل أن يبينوا له الحقيقة مشفوعة بالبرهان , فقال له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : أيها الملك كنّا قوماً علي الشرك نعبد الأوثان , ,نأكل الميتة ونسيء الجوار , ونستحل المحارم , ونسفك الدماء ولا نحل شيئاً ولا نحرمه فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا , نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلي أن نعبد الله وحده لا شريك له , ونصل الرحم ونحسن الجوار ونصلي ونصوم ولا نعبد غيره ........ وهنا طلب النجاشي من جعفر أنْ يسمعه شيئاً مما جاء به محمد  , فقرأ عليه صدر سورة "مريم" عليها السلام فبكي النجاشي ومن معه من الأحبار والرهبان وقال:- إنّ هذا الكلام ليخرج من المشكاة

التي جاء بها موسي... ثم قال انطلقوا راشدين ... وأقسم بألا يسلمهم لقريش أبداً وأنهم أحرار في بلاده ( ).ورغم وضوح رد الملك ونصوع حكمه لم ييأس الوفد فقالوا للنجاشي : إنهم يقولون في عيسي ابن مريم قولاً عظيماً , فقال النجاشي للمهاجرين : ماحقيقة هذا القول الذي يقال عنكم؟ فقال جعفر : نقول فيه "هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلي مريم العذراء البتول" فقال النجاشي ماعدا عيسي ابن مريم هذا العود . وتركهم في بلاده فاستقروا في خير دار مع خير جار , وبكي القسيسون والرهبان لقراءة جعفر علي الجميع صدر سورة مريم . فأنزل الله تعالي قوله تعالي: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون , وإذا سمعوا ما أنُزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنّا فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أنْ يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين .فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين  ( ).

وكان التكريم أورد الشيخان أنّ النبي "نعي النجاشي أصحمة في اليوم الذي مات في العام التاسع من الهجرة النبوية , وأنّه صلي بالمسلمين صلاة الغائب عليه"( )

الجزاء من جنس العمل

بادي الرأي أقول: للإسلام عقيدته ونهجه وسلوكه الذي لا يحيد عنه قيد أنمله وللآخر كذلك عقيدته التي لا يجبره أحد علي التحول عنها بأي صورة من الصور وإليك أخي القارئ الأدلّة والبراهين علي ما أقول :

1- قال تعالي: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إنّ الله علي كل شئ قدير"( ) قال أبو

العالية رحمه الله :لليهودي , وللنصراني وجهة هو موليها , وهداكم أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي القبلة ( ) والمعني أنّ لكل صاحب ملة صاحب القبلة موليها وجهه أو أنّ المعني : أنّ لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه , إذ هو معلوم أنّ الله تعالي فاعل ذلك . ( ).

وإذ كان ذلك كذلك فإنّ البشرية كلها مطالبة بالاستباق إلي فعل الخيرات وبث الأمل ونشر الأمن في ربوع العالم واجتناب كل ما يعوق حركة التقدم من اللعب واللهو بمقدرات البشرية والصراع الذي يؤدي إلي تدميرها ووأدّ تقدمها وهذا ما نراه اليوم واضحاً وضوح الشمس في وضح النهار من أصحاب الأديان الثلاثة الذين يسيئون إلي شرائع السماء بالاختلافات التافهة والحروب المدمرة والفرق المتناحرة , بخلاف الأمم التي لا تدين بدين ولكن أغلقت علي نفسها أبواب التنازع وشغلت وقتها بتقدم شعوبها وزيادة مدخراتها ومقدراتها , وكأنها فعلت نصوص رب الأرض والسماء وأحاديث رسل الله وأنبيائه(عليهم السلام) من حيث لا يشعرون .

وأنهي هذا الموضوع بكلمة الراحل العظيم الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي "رحمه الله". يقول الله تعالي وحده الذي يحاسب الجميع علي العقائد يوم القيامة ولنتعاون معاً في فعل الخيرات التي جاءت بها شرائع السماء

2- وقال تعالي لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الو ثقي لا انفصام لها والله سميع عليم" ( ).

قال ابن عباس رضي الله عنهما"نزلت الآية في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له "الحصين" كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلاً مسلماً , فقال للنبي  " ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك. ( ).

يقول الرجل المسلم للرسول "أنا يارسول الله علي الإسلام وابناي علي دين يخالف ما أنا عليه من دين, فمرني علي إكراههما علي الدخول في الإسلام , فيقول له " لا تفعل ذلك فإنني ما جئت بالإكراه وإنما أنا رحمة مهداه وديني واضح جلي فمن شاء آمن به ومن شاء ترك والحساب عند الله تعالي القائل:- "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر"  ( ).

3- قال تعالي لرسوله " ولو شاء ربك لآمن منْ في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" . ( ). يقول تعالي "ولو شاء ربك" – يامحمد- لأ ذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به , فآمنوا كلهم , ولكن ربك له الحكمة العليا فيما يفعله فهو الفعال لما يريد ومن ثمّ فهو قادر علي أن يجعل الناس كلهم مؤمنين أو كافرين , ولكن يارسولي لا يزال الاختلاف بين الناس في العقائد والشرائع والملل والنحل والآراء والأفكار إلي يوم الدين , كما قال تعالي "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"  ( ). ومن هذا المنطلق أفلا يعلم المؤمنون ويتبينون أنّ الله تعالي لو شاء لهدي الناس جميعاً. أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدي الناس جميعاً ( ) ثم يقول تعالي لأ شرف الخلق  أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين  ( ) إنّ ذلك يارسول الله ليس في وسعك ولا داخل تحت قدرتك , وفي هذا النجم الشريف من الآية تسلية له ودفع ما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل. الذي لو كان لم يكن صلاحاً محققاً بل يكون إلي الفساد أقرب ولله الحكمة البالغة.

3- ولذلك يارسولنا فلا تحزن ولا تتحسر علي عدم إيمان من لا يريد الإيمان فإنّ ربك عليم حكيم في أفعاله ومشيئته فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء بحكمته فلا معقب لأمره ولا راد لقضائه. قال تعالي  أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإنّ الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ الله عليم بما يصنعون" ( ) فيا رسولنا إنني أعلم أنك حريص علي هداية الناس وإرجاعهم إلي فطرتهم المفطورين عليها ولزيادة حرصك لعلك قاتل نفسك هماً وغماً علي عدم إيمان الناس بك وبما جئتهم به , لا يارسولنا لا تفعل ذلك فإننا لوأردنا إيمانهم لأ نزلنا من الآيات مايضطرهم إلي الإذعان لهذا الدين ولكننا يارسولنا لا نفعل ذلك بإجبار الناس علي الإيمان به جبراً وقهراً ولكننا نريد إيماناً اختياريا لا جبر فيه ولا إرهاب . قال تعالي  لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" ( )الأمر كله بيد الكبير المتعال والهداية بمعناها الشرعي الذي هو إرادة الإيمان وتحقيقه بيد من يقول للشئ كن فيكون وما علي الرسول إلا الدلالة والإرشاد إلي الإيمان والدعوة إليه ومن هنا فالقرآن يقول  إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" ( ) روي الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله  فقال ياعماه قل لا إله إ لا الله أشهد لك بها يوم القيامة" فقال: لو لا أن تعيرني بها قريش يقولون : ماحمله عليه إلا جزع الموت , لأ قررت بها عينك لا أقولها إلاّ لأ قر بها عينك فأنزل الله إنك لا تهدي من أحييت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( )

4- قال تعالي " فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم

وقل آمنت بما أنزل من كتاب وأمرت لأ عدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير. ( ) عشر كلمات محكمات لو عمل بهن العالم لأصبح عالماً نموذجياً من الطراز الأول منهجاً وسلوكاً وتقدماً وخيراً لا تناحر فيه ولا ضياع ولا هوي يصده عن القيم التي يترتب عليها الأمن والأمان والسلم والسلام والتقدم والرخاء فأولي هذه العشر إتباع وحي السماء الذي خوطب به جميع المرسلين والأنبياء ليبلغوه من علي الأرض ليكونوا عباداً أسوياء وعلماء حكماء لا يستخفنهم أحد من الأغبياء الذين لا يؤمنون بالمبادئ السامية التي أمر بها رب الأرض والسماء.قال تعالي "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلي الله تصير الأمور.  ( ).

أدع يا رسول الله إلي هذا الروح المنزل عليك لتعم الحياة الحقيقية عالم الإنس والجن لأنه نور وضياء وبلسم وشفاء وعلاج ناجح وشفاء فمن أجابك كان من الأحياء الذين ينشرونه ليكون للعالمين نوراً وضياء والقاعدة في ذلك كله منزلة عليك يا رسول الله في قول من أرسلك للعالمين رحمة وسناء.  أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( )

وثاني هذه العشر: الإستقامه علي المنهج القويم والصراط المستقيم والطريق الواضح الذي لا لبس فيه ولا التواء. وانظر أخي القارئ إلي قول الله تعالي لأعظم نبي وأكرم رسول "واستقم كما أمرت" وقوله تعالي فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" . ( ) فالرسول معصوم من الخطايا وكل الرسل كذلك ومع ذلك يؤمر بالاستقامة وذلك لأمرين في غاية الأهمية:-

الأول أستمر يارسولنا علي ماأنت عليه من عبادة لله وطاعة له فإنّ الله تعالي علي الطاعة فطرك وبالسمو الأخلاقي وصفك "وإنك لعلي خلق عظيم ( )وبالرحمة العامة وسمك وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين  ( ) وفي كتب الأقدمين قد جاء فيه خبرك.

عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت" أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة؟ قال:أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن" ياأيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وحرزاً للأميين , أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا

يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر , ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملّة العوجاء , بأنْ يقولوا لا إله إ لا الله فيفتح بها أعينا عمياء وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً  ( ) وإذا كان الرسول مأموراً بالثبات علي الاستقامة فالأمة كلها أولي وأحرى ومن هنا يقول الله" إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا" ( ) وقال إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" .  ( )

الأمر الثاني:- أهمية القدوة وأنّه الأجدر بالقادة والأمراء أن يكونوا لشعوبهم قدوة حسنة ومن ثم تدين لهم شعوبهم بالولاء والمحبة فتتقدم الأمة وتتحضر الشعوب وأولياء الأمور صنفان منصوص عليهما في القرآن:- قال تعالي ياآيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . ( )

الصنف الأول:- العلماء بكل أنواع العلوم

الإسلام دين العلم المتنوع الأهداف الدنيوية والأخروية علي سواء وذلك باعتبار أنّ النبي قد جعلت مفاتيح خزائن الأرض بيده فقد ذكر السيوطي{رحمه الله} أنّ الله تعالي منح نبيه واختصه دون الأنبياء بأنْ أعطاه مفاتيح خزائن الأرض , وهي ما سهل الله تعالي له ولأمته من بعده من افتتاح البلاد شرقاً وغرباً والحصول علي ما فيها من كنوز ومعادن وذخائر , واستخراج ما فيها من معادن وما به تقدّم الأمة . ( )

يؤيد ذلك مارواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله قال:" بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سوران من ذهب فكبرا علي وأهماني فأوحي إلي أنْ أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما , صاحب صنعاء وصاحب اليمامة". ( )

فالدين والسياسة والصناعة والزراعة ذلك كلّه في القرآن والسنة منصوص عليه وعلوم الطبيعة والكيمياء والتشريح موجود فيهما ولكل ذي لب معروف والعسكرية المنضبطة وطرق صناعتها وذكر أسمائها إلي يوم الدين مسجل فيهما وموصوف والعلاقات الأسرية والدولية بل كل مناهج الحياة وأسرار تقدّم الأمم مدون فيهما بل وللعلماء معروف. إلي غير ذلك من العلوم التي لا تخفي علي عالم .

يقول د. عبد الحليم محمود ما ملخصه:- إنّ العلم الذي يدعو إليه الإسلام هو علم الطبيعة والأحياء والكيمياء والطب وغير ذلك من العلوم المادية وهو بالضرورة أيضاً علم الدين من تفسير وحديث وفقه وغير ذلك.

والآية الكريمة إنما يخشي الله من عباده العلماء ( )قد وردت في معرض الحديث عن الكونيات المادية, ولذلك قال تعاليسنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم" . ( )وبمقدار تعمق الإنسان في الجانب العلمي علي أساس من الإيمان والإخلاص تكون خشية الله . وذلك لأنه يري من نواميس الكون ودقة الخلق وحكمة التدبير ما يجعله يسجد لمبدع هذا الكون ومنسقه وإنّ هؤلاء العلماء بعلم التشريح مثلاً يرون من الإحكام المحكم والدقة في مختلف الأجهزة الجسمية ما يضطرهم إلي السجود لرب هذا التنسيق والإبداع وكذلك علماء الفلك يبهرون حين يرون هذه النجوم التي لا تكاد تعد تسير في هذه السعه الكونية الهائلة في ترتيب وتناسق. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون". ( ) وعالم الأحياء يفاجأ بجديد كل يوم حين يتأمل في هذه العوالم , وكل العلماء في كل فن يجدون أنفسهم أمام صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعاً فيقولون مع القرآن  تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور.الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ( ).

إنّ الإسلام يوجب أنْ تكون أسس العلم متسمة بالخير وكذا غاياته يجب أنْ تكون كذلك . ومن ثم فلم يستهدف العلم الإسلامي يوماً من الأيام التنكيل بالإنسانية أو الاستعلاء أو التسابق من أجل إيجاد وسائل التدمير والتخريب. ( ). يقول العالم الإنجليزي(بري فولت) صاحب كتاب{ بناء الإنسانية} وهو عالم منصف أنصف الحضارة الإسلامية بعد أنْ ظلمها الغرب قروناً يقول:- إنّ روجر بيكون درس العربية وعلومها في مدرسة أكسفورد علي خلفاء معلميه العرب في الأندلس , وليس لروجر بيكون الحق في أن أنسب إليه الفضل في ابتكار المنهج التجريبي , فلم يكن روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم ومنهج الإسلاميين إلي أوروبا المسيحية , وهو لم يمل قط من التصريح بأنّ تعلم معاصريه اللغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة. ويقول:- إنّه علي الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الأوروبي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلي مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة , فإنّ هذه المؤثرات- توجد أوضح ماتكون- في نشأة الطاقة التي تكون ما للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة, وفي المصدر القوي لازدهاره , أي في العلوم الطبيعية وفي روح البحث العلمي. ( )

الصنف الثاني:- الحكام والأمراء

وهم الجانب التنفيذي الذين ينفذون ما أقرّه العلماء في جانب العلوم العلمية والدينية. والأمثلة أكثر من أنْ تحصي فهذا داود عليه السلام ينفذ تعاليم الله إليه التي تأمره بتكوين دولة قوية مرهوبة الجانب تصون ولا تبدد تبني ولا تخرب تحمي أبناءها ولا تستورد من يحميها أو يقيم لها صناعاتها ويهتم بعمرانها. قال تعالي وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين. وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون" ( ) علمناه صناعة الدروع وهو السلاح الذي كان مستعملاً آنذاك وذلك لحماية المقدسات وللمحافظة علي الأعراض والمحرمات وأبناء أمته من كل مستعمر غاشم أو ظالم أو جبار.

وقال له فى آية أخري  ولقد ءآتينا دادو منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن أعمل سابغات وقدر فى السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير  ( ). والآية تخص داود بالفضل والنبوة وتسبيح الجبال والطير معه ، وامتن الله عليه بإلانة الحديد ليصنع به السلاح الجيد الذي لا خلل فيه ولا فساد كل ذلك يكون مشفوعا بالعمل الصالح طاعة لله وصنعا للسلاح الذي لا يستخدم إلا لرد العدوان لا لاستحلال أرض ودماء الآخرين وأخذ مدخراتهم وبث الرعب والخوف فى قلوب الآمنين وأنظر إلى التذييل القرآني الذي تختم به الآية ((إني بما تعلمون بصير))الذي يدل على أنه سبحانه لا تخفي عليه خافية ومن هنا فإحسان إعداد واستخدام السلاح لا بد من استخدامه عند الضرورة القصوي والضرورة تقدر بقدرها ، ولو أبصر العالم هذا التوجيه لعم السلام والأمن ربوع العالمين ولما وجدنا أحداً من المشردين فى دنيا الله الواسعة التي أفسدها من لا ضمير له من أصحاب الديانات السماوية الذين لا يفهمون وحي الله تعالى وإن فهموه كان على غير وجه الحقيقة ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وأخيراً فإن الله أرسل الرسل وأيدهم بالبينات والمعجزات الواضحات والوحي الصادق الذي عن طريقه تعيش الشعوب حياة آمنه رغدة لا غبن فيها ولا ظلم ولا حيف فيها ولا إجبار ، فمن أبي وتنطع وظلم وتجبر وعاث فى الأرض فساداً ، فإن فى الحديد والسلاح علاجه وتقويمه وإرجاعه إلى فطرته السليمة ، كما أن فيه منافعه التي لا غني له عنها فى حياته ومعاشه وما لا تقوم الدنيا إلا به، والله تعالي عليم بمن ينتفع بهذه النعم ، أيستعمل ذلك الحديد فى نصرة الحق وأتباعه ويمد يد العون للعالم وسكانه أم ينقلب على عقبيه وينصر نفسه ظلما ويعين على الشر أذنابه ، ومن هنا فإن القرآن الكريم ينذره بأن من شرع هذا قوي عزيز لا يخذل أتباعه .

قال تعالى :  لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز  ( ). وفى النهاية اقول : إن أولى الأمر فى الإسلام هم العلماء الذين يطلق عليهم السلطة التشريعية ، ثم الحكام والأمراء عليهم التنفيذ بعد الدراسه السوية ، فأمة بلا علماء لأ خير فيها ، وإن غاب عنها الأمراء علت الفوضي سافلها وعاليها .

الأمر الثالث من هذه العشر :-

فيما سبق تكلمت عن الأمرين المأمور بهما سيدنا رسول الله  وهما الدعوة إلى السلام وقيمه. والاستقامة على منهج الله تعالى حركة وسكونا قولا وفعلا ومنهجا وسلوكا يتناول هذا المنهج التعامل مع الإنسانية برفق وأناه وحلم ورحمة ثم يأتي الأمر الثالث وهو نهيه  عن اتباع منهج أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات ويظنون أنهم أقوم قيلا وأصدق حديثا وأعدل منهجا وأهدي سبيلاً . قال تعالى (( ولا تتبع أهواءهم)) أي : لا تتبع يا رسول الله هؤلاء الذين غيبوا عقولهم وعبدوا من دون الله ما لا يعقل من الجمادات التي لا تستطيع دفع ضر ولا جلب نفع لا لها ولا لعابديها قال تعالى :  يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( ). ايها الناس يا من تميزتم بالعقول دون غيركم استمعوا استماع العقلاء وتدبروا هذا الأمر الخطير والمنزلق المفرق ، كيف غيب الإنسان عقله وكيف أنطمست بصيرته إذ عبد ما لا يستطيع خلق أضعف الحشرات ولو اجتمع لذلك جميع ما يعبد من دون الله من طواغيت بل لا تستطيع هذه المعبودات مقاومة من أراد بها شراً .

يقول ابن كثير أي : هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه لو سلب الآلهه المزعومة من تلك الأصنام شيئا من الذي عليها من الطيب ، ثم ارادت أن تستنقذه منه ، لما قدرت على ذلك هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ولهذا قال (( ضعف الطالب والمطلوب )) ( ).ومن هذا المنطلق فإن الله تعالى لا يهدي من اتخذ إلهه هواه وعبد ما يستحسنه ويهواه قال تعالى :  أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون  ( ). يقول الدكتور الوهيبي: والقول الصحيح فى تفسيره هذه الآية وأمثالها أن تجري على ظاهرها ، فالله تعالى أضل من اتخذ إلهه هواه ، لأنه أخذ بأسباب الضلال واتبع الباطل وترك الحق فأضله الله ، لأنه المتسبب فى إضلال نفسه بأخذه بأسباب الضلاله وإعراضه عن الحق ، كما قال تعالى :  فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم  ( ).

وقال فيمن أخذ بأسباب الهداية واتبع الحق :  والذين اهتدوا زادهم هدي وآتاهم تقواهم  ( ).فالإنسان الذي يأخذ بأسباب الحق ويقبل عليه يهديه الله إليه ويزيده تقوي والذي يأخذ بأسباب الباطل يضله الله ويختم على سمعه وقلبه ويجعل على بصره غشاوة ، فلا يري الحق ولا يهتدي إليه ، ولا يستطيع أحد أن يهديه إليه ، لأنه قد تسبب فى إضلال نفسه بأخذه بأسباب الضلالة وإعراضه عن أسباب الهداية ، وقد علم الله منه ذلك فى سابق علمه فأخبر عنه بذلك ( ). فكأن الله تعالى يقول لرسول الله  ناهيا له عن اتباع أهواء من ضل وأضل يا رسولنا لا تتبع أهواء هؤلاء المناكيس الذين ضلوا عن سواء السبيل عقيدة ومنهجا فإنك على الحق المبين والصراط المستقيم وهؤلاء عن الصراط ناكبون ولعقولهم مغيبون وفى لهوهم سامدون ولربهم محاربون وللرذيلة ناشرون" فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم "" ( ).وانتظر يا رسولنا ثوابنا فإنهم لعقابنا منتظرون. ((فارتقب إنهم مرتقبون ))( ).

ومن ثم فعلي ولاة الأمر من علماء وأمراء واجب كبير وحمل ثقيل وهو اتباع منهج الأنبياء والبعد عن أفكار أهل الغي والأهواء الذين يريدون غزو الامة فكريا بما لا يتفق وشرائع السماء من دعوة إلى المجون وتفريق الشعوب بحجة أن هذا مسلم وذالك مسيحي فإنها دعوة باطلة يراد بها باطل وهو تفريق أبناء المصر الواحد داعين إلى تمزيق ما يرونه مجتمعا وهذا ما نراه ماثلا وواقعا مراً يعيشه العالم اليوم علما بأن الإسلام نادي البشرية كلها بأنهم مخلوقون من ذكر وأنثي وهم فى الخلق إخوة والشرائع مختلفه وهذا لا يجب أن يؤدي إلى الصدام بل يجب أن تكون العلاقات مبنية على التعارف والشفافيه والاخوة الإنسانية لتحقيق التقدم والأمن للعالمين .

قال تعالى :  يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( ). ومن أراد شرح هذه الآية فليرجع إلى كتابنا "" الآداب الإسلامية كما صورتها سورة الحجرات .

الأمر الرابع من العشر :-

وذلك فى قوله تعالى :  وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب 

تمهيد : إن المحبة العامة التي كانت تتملك قلب خاتم المرسلين سيدنا محمد  تجاه قومه وأمته والناس أجمعين ، هى التي جعلته يتحرق ألما من أجل الذين رفضوا الاستجابة لدعوته ، وهو يعلم إن إسلامهم سبب سعادتهم وأن بعدهم عنه هو سبيل نصبهم وتعبهم ، وكان  مثل الأب الرحيم الذي يحب ولده يراه بعيداً عن منهج السعادة فإن ذلك يحزنه خوفا عليه ورحمة به فلما زادت تلك المشاعر العظيمة إلى الحدود التي ينبغي ألا تزيد عليها ، أرشده الله تعالى إلى التخفيف منها حتي لا تؤثر على حياة الرسول نفسه فقال له  فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون  ( ).

فكأن الله تعالى يقول له " إن هدوء نفسك وراحة مشاعرك عندنا يا رسولنا أهم من الدنيا وما فيها فأنا مالك الملك وقلوب العباد ونواصيهم بيدي وإذا ما كان الأمر كذلك فدع الحكم لى فـ  لله الأمر من قبل ومن بعد  ( ). وقال له  فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا. إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً  ( ).

يا رسول الله : لعلك قاتل نفسك هما وأسفا على عدم اتباع الناس منهجك لا يا رسول الله . فهون الأمر على نفسك وأعلم أن الهداية بيدي ولو شئت لا تبعوك ، فمخالفوك هم فى دار ابتلاء وامتحان وغداً النتيجة ، فخفف من حزنك على عدم إيمانهم فإن ربك لو أراد لهم الإيمان بك لأنزل عليهم من الآيات ما يحفزهم إلى الإيمان جبراً وقسراً ومتي كان ذلك من ربك القائل :  فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر  ( ). وقال تعالى  تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين . إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين  ( ).

فالقرآن يا رسول الله ما أنزل إلى الأرض ليكون مصدر شقاء ولا تعب أو نصب ومن ثم فلا تتعب نفسك ولا تقلق فؤادك على مصير من خالفك فما عليك إلا النذارة ، فمن يخشي العقاب أجابك ، ومن سار فى غلوائه واتبع شهواته فما عليك منه بل وأعرض عنه فالقرآن من عندي والهداية مني وأنت ما عليك إلا البلاغ قال تعالى  طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي . إلا تذكرة لمن يخشي . تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلا  ( ). وقد وردت فى القرآن آيات عديدة تبين وظيفة الرسول  وأنها الموعظة والبلاغ والإنذار، أما الإجبار أو تحويل القلوب إلى الدين فهذ كله لله كي لا تبطل حكمة الامتحان فى هذه الدار.

قال تعالى  فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر . إلا من تولى وكفر . فيعذبه الله العذاب الأكبر . إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم  ( ).

وقال عز وجل  إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( ).

وقال تعالت حكمته  إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل  ( ). يقول الشيخ / عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني بعد أن ساق هذه الآيات فقد حدد الله تعالى مهمة الرسول  بالنسبة لمخالفية فى العقيدة بالإنذار فقال له "" إنما أنت نذير "" ولدي تتبع مراحل تنزيل النصوص السابقة نجد أنها نزلت وفق التسلسل التالي :-

أولا : آية ( فاطر) : (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ))

ثانيا: آية ( طه ) (( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي))

ثالثا : آية ( الشعراء (( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين))

رابعا : آية ( هود) (( إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل ))

خامسا : آية ( الغاشية ) (( فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمصطير ))

سادسا : آية ( الكهف)(( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)) وكل هذا فى المرحلة المكية

سابعا: آية ( الرعد)(( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ))

وقد نزلت فى أواسط المرحلة المدنية نلاحظ فى المتابعة منهجا تربويا قصد منه معالجة نفس الرسول  لتحقيق ما كان يعانيه من شدة حرصه على هداية القوم ورغبته فى تحولهم من الكفر الى الإسلام ومن الضلالة إلى الهدي ( ).

وبعد : فلعل هذا التمهيد يكون توطئة لتفسير قوله تعالى وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب  هذا النجم من الآية يأمر الله فيه نبيه  بالإيمان بكل الكتب السماوية وقد جاء هذا الموضوع فى آيات عديدة فى القرآن الكريم .

منها على سبيل المثال الإخبار عن الرسول  والمؤمنين بأنهم آمنوا بما نزل من عند الله من قرآن وبصدق كل المرسلين والإيمان بهم فقال تعالى  آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ( ). روي الحاكم فى المستدرك عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية على النبي   آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه  قال النبي   وأحق له أن يؤمن  ( ).

وقوله :"" والمؤمنون """ عطف على الرسول  ثم أخبر عن الجميع فقال  كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله  فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد فرد صمد ، لا إله غيره ولا رب سواه.ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم ، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض – بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبل الخير ، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتي نسخ الجميع بشرع النبي خاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام الذي تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين( ). ولأهمية هذا الموضوع وإزاحة لتهمة عنصرية أمة الإسلام وأنها أمة تزدري شرائع السماء الأخري يؤمر النبي  مرة ثانية بالإيمان بشرائع من سبقه من الأنبياء وذكرهـم الله له

بأسمائهم ليشمل هذا الايمان الشرائع السماوية الثلاث ، الإسلام واليهودية والمسيحية وذلك حتي تتعاون هذه الشرائع على البر والتقوي لا على الإثم والعدوان فقال تعالى :  قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون  ( ). فنفذ الحبيب  الوحي على نفسه وآمن وقال : نحن معشر الأنبياء أولاد علات . ديننا واحد "" وفي رواية :  أنا أولي الناس بابن مريم . والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي  ( ). كما قال   أنا أولي الناس بعيسي بابن مريم فى الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد  ( ).

وأبناء العلات : هم الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد – فالإيمان واحد والشرائع مختلفة ولم يكتف القرآن الكريم بأمر النبي  بذلك بل أمر المسلمين بنفس الأمر وبنفس الأسلوب لتعرف الدنيا كلها أن الإسلام دين يحترم كل الشرائع ويبين أن هناك اختلافات فى أشياء لا توجب الحروب ولا الدمار ولا العنصرية فلكل عقيدته ومنهجه ولكن ذلك لا يمنع البشرية من التلاقي من أجل الخير والسلام والتقدم والنماء قال تعالى  قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون  ( ). فهل بعد ذلك البيان من بيان؟ وهل هناك وضوح أكثر من ذلك؟ وهل هناك سمو أخلاقي فوق هذا السمو؟ بل أنظر إلى الإنصاف القرآني لمن أعمل عقله وجرد نفسه من الهوي ، وقرأ القرآن بتجرد من العصبية قال تعالى  ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ( ). فهؤلاء الصنف من الناس قائمون بآيات الله المنزلة من السماء يعملون بها مع تلاوتها والمحافظة عليها ليلهم كله عبادة لله الواحد ركوعا وسجوداً استعداداً للقاء الله فى اليوم الآخر الذي يؤمنون به دون ريب وهم من أجل هذا يأمرون الناس بالخير وينهونهم عن الشر ويسارعون فى إرساء قواعد العدل بين أبناء العالم مادين يد المعونة للمحتاجين ومن أجل ذلك وصفهم وجازاهم ربهم وأدخلهم فى عباده الصالحين الذين قاموا وأسرعوا قبلهم بفعل الخيرات والمسابقة إلى عمل الصالحات ومن ثم فلن يهضمهم الله ثواب ما عملوا تفضلا منه ورحمة لأنه سبحانه يعلم أنهم ما فعلوا ذلك إلا خوفا منه ورجاء لثوابه والقرآن الكريم يسم أهل الملتين من قبلنا ويصفهم بأنهم أهل كتاب بل ويناديهم به ويأمر نبيه محمداً بأن يقول لهم يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة عدل بيننا وبينكم نستوي فيها جميعا وهي عبادة الله الواحد الواجب الانفراد بالعبادة والتوحيد ، ولا نشرك معه سواه ، ولا يعبد بعضنا بعضا فإن رفضوا هذه الدعوة فلا تجبرهم أيها الرسول على أن يكونوا على طريقتك ومنهاجك ، بل أشهدهم بأنك ومن معك على الإسلام الذي نادي به كل الأنبياء قال تعالى :  قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون  ( ). بل ومن رحمة المؤمنين بأهل الكتاب أنهم لا يتمنون هزيمتهم ولا إنكسارهم أمام المشركين أو الملحدين والدليل على ذلك أن الفرس عباد النار انتصروا على الروم أهل الكتاب وهنا حزن المسلمون حزنا شديداً على هزيمة أهل الكتاب حتي بدل الله الأمر وانتصر أهل الكتاب وهنا فرح المسلمون بنصر الله . يقول المفسرون( ).وتمني أهل مكة المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان مثلهم فلما غلب الفرس الروم فرح المشركون، وقالوا للرسول وأصحابه إنكم تزعمون أنكم تغلبوننا لأنكم أهل كتاب ، وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسري فتح فيه القسطنطينية أن بني فيها بيت النار فبلغ الرسول  فساءه ذلك فنزل قوله تعالى الم . غلبت الروم فى أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون  ( ).

وهكذا يعلمنا القرآن أنه لا ينتصر إلا لشرائع السماء المنزلة على الأنبياء لأنهم خير البرية حيث قد تلقوا تلك الأحكام والشرائع من مالك الملوك وعلام الغيوب وأهل الكتاب أقرب إلى الإسلام من غيرهم من سائر البشرية ( ).
وخامس تلك الجمل المستقله العشر العدل فى كل شئ:-

تكلمنا فيما سبق على أربع جمل من آية الشوري وبينا ما تهدف إليه من مثل وقضايا هي من الأهمية بمكان خاصة ونحن نعيش فى عالم ضعيف الأركان هش البنيان ، لا يصلحه إلا ما أنزله الرحمن جل سبحانه عن الزمان والمكان .الذي أمر رسوله سيد ولد عدنان بالعدل التام لكل وبين جميع بني الإنسان فقال تعالى :  وأمرت لأعدل بينكم  وقد جاء الأمر بالعدل بين الناس جميعا فى القرآن الكريم فى كثير من آياته حتي مع الذين يباينون المسلمين عقيدة وشريعة المسلمون وعلى رأسهم الرسول الخاتم مأمورون بذلك لأن دينهم دين عدل ومودة لا ظلم فيه لإنسان أيا كان معتقده يقول تعالى :  إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون  ( ). يأمر الله تعالى فى هذه الآية بثلاثة أوامر وينهي عن ثلاثة أشياء من النواهي .

الأمر الأول : العدل بين الناس جميعا لا فرق بين مسلم ومسيحي وغيرهما نطق بذلك القرآن فى آيات عديدة.

منها قوله يقول تعالى :  إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيراً  ( ). والملاحظ هنا أن كل العلماء والأمراء والقضاة مأمورون بإقامة العدل بين أبناء البشرية حتي وإن كانوا على غيرة ملة الإسلام إنطلاقا من قوله تعالى :

 ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي ( ). وقوله عز وجل  ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوي ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( ). وذلك لأن الاعتداء بدون وجه حق ظلم والمسلمون منهيون عنه حتي مع من لا يدين بدين سماوي فكيف بأصحاب الشرائع السماوية؟ قال "  ثلاثة لا ترد دعوتهم ، الإمام العادل ، والصائم حتي يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب :  بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين  ( ).

قال "  إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل، وابغض الناس إلى الله وابعدهم منه مجلسا إمام جائر ( ).ومنها قوله تعالى  يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيراً فالله أولي بهما فلا تتبعوا الهوي أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً  ( ). يقول الدكتور/ محمد عمارة : إن المسلمين جميعا قوامون بالقسط وهو العدل قوامون به لله ، شهداء لله منفذون لله وقضاة لله ، إنهم جميعا حكاما ومحكومين علماء وأمراء وشعوبا مطالبون بالعدل حتي على النفس أو الوالدين أو الأقربين وهم مطالبون كذلك فى العلاقات الفردية والدولية على السواء وهم مطالبون به قضائيا وقانونيا وسياسيا واجتماعية دون تفريق بين الأفرادأيا كانت أديانهم أو أجناسهم أو لغاتهم أو طبقاتهم أو أغنياؤهم أو فقراؤهم إنه العدل المطلق ( ).

والانتصار للعدالة من شيم الإسلام فقد سجل التاريخ الصادق والقرآن الناطق قصة إنصاف أحد اليهود المتهم من بعض ضعاف الإيمان من المسلمين ممن لم يتمكن الإيمان فى قلوبهم إذ يذكر المفسرون الثقاة أن رجلا من الأنصار يسمي ""طعمة بن أبيرق"" سرق سلاحاً من بيت جاره""قتادة بن النعمان"" وكان ذلك السلاح مخبوءا فى كيس فيه دقيق ، فلما سرقه جعل الدقيق ينتشر من خرق فيه ، فذهب بهذا السلاح فخبأه عند يهودي يسمي "" زيد بن السمين "" فلما فقد "قتادة" سلاحه ، شك فى أمر جاره "طعمة بن أبيرق" فالتمسوه عنده فلم يجدوه ، وحلف "طعمة" أنه ما أخذه ولا علم له به كذبا وبهتانا ، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتي انتهوا إلى منزل اليهودي فوجدوا السلاح عنده ، فقالوا له قد سرقت السلاح ، فقال اليهودي : دفعه إلى "طعمة بن أبيرق"" وشهد ناس من اليهود ببراءته وأمانته ، فلما فشا الأمر فى المدينة ، خاف قوم"طعمة بن أبيرق"" من افتضاح أمرهم فانطلقوا الى الرسول  يدافعون عن صاحبهم "طعمة" ويجادلون عنه بالباطل وشهادة الزور، وذكروا لرسول الله  الأدلة على براءة " طعمة" من كون وجود السلاح فى دار اليهودي ، ومن ثم فيا رسول الله جادل عنه على رءوس الأشهاد ، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك ، ونحن أهل دين وإسلام ، فهم رسول الله  أن يفعل اعتقاداً منه بأنهم صادقون ,وأن الأمر فى غاية الظهور خاصة وأن جسم الجريمة قد وجد فى دار اليهودي ولم يعثر عليه عند المسلم وإذا بالوحي ينزل عليه بهذه الآيات البينات التي تبرئ ساحة اليهودي، وتتهم ذلك المسلم المزيف ومن ناصره من المنافقين الآثمين ( ).قال تعالى  إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما . واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيما. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا . ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا. ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما . ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما . ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا . ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ( ).

لقد عاتب الله تعالى رسوله الكريم عتابا شديداً ، لأنه أراد الحكم على اليهودي قبل أن تتضح الأمور وتقوي عوامل التثبت وكأنه يقول له : إن وجود المسروق فى بيت هذا اليهودي ليس بدليل كاف لإثبات الجريمة عليه ولا تورطه فى قضية قد تسلبه عضواً من أعضائه وتشينه بين أبناء مجتمعه فلا يقام له وزن ولا يرد له اعتباره ومن هنا أمره بالاستغفار مما قدهم به من الحكم قبل ظهور البرهان ثم وبخت بقية الآيات أولئك المنافقين الذين أرادوا ظلم اليهودي بدون دليل ووضح الله تعالى الأمور لرسوله وبين له من الظالم ومن المظلوم ثم من عليه بعصمته ممن يريدون تغيير الحقائق وصنع المؤامرات للأبرياء حتي وإن كانوا على غير دين الإسلام .

وإليك أيها القارئ الكريم بعض النماذج من العدل الإسلامي وتطبيقه على غير المسلمين .

1- لما استعد الرسول  واصحابه لغزوة خيبر أخذ كل يهودي من أهل المدينة حقه ممن عليه حق له من المسلمين ، وكان لرجل من اليهود اسمه أبو الشحم اليهودي خمسة دراهم على رجل من المسلمين اسمه أبو حدرد الأسلمي ثمن شعير أخذه منه لأهله ، فطالبه به فقال له : أجلني فعند رجوعي من خيبر سأعطيكه إن شاء الله ، فإن الله تعالى وعد نبيه  بالنصر والغنيمة على خيبر وأهله فقال أبو الشحم اليهودي حقداً وضغينة: أتحسب أن قتال خيبر مثل ما تلقونه من الأعراب ؟ فرد عليه ابن أبي حدرد قائلاً : أى عدو الله تخوفنا بعدونا وأنت فى ذمتنا وفى جوارنا ؟ والله لأرفعنك إلى رسول الله  ، فقلت : يا رسول الله. ألا تسمع إلى ما يقول هذا اليهودي؟ وأخبرته بما قال أبو الشحم . فسكت رسول الله  ولم يرجع إليه شيئا ، إلا أني رأيت رسول الله  حرك شفتيه بشئ لم أسمعه ، فقال اليهودي ياأبا القاسم : هذا ظلمني وحبسني بحقي وأخذ طعامي. قال  (أعطه حقه) . قال عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فخرجت فبعت أحد ثوبي بثلاثة دراهم ، وطلب بقية حقه فقضيته ولبست ثوبي الآخر وكانت على عمامة فاستدفأت بها ( ).

2- بل إن هناك بعد فتح خيبر ما هو أعظم فى العدالة بين الشعوب وأجل ، فحين فتح النبي  "خيبر اشترط عليهم أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء ( ). فقالوا له: نحن أعلم بالأرض فدعها لنا نعمل فيها وثمرها يكون مناصفة بيننا وبينكم فقبل النبي  منهم ذلك ، فلما كان موسم جمع الثمار من النخيل بعث إليهم النبي  عبد الله بن رواحه ، فقدر ما على النخل من ثمر وقال فى "هذا" "كذا" و"كذا " عدالة منه . وهنا قال أهل خيبر: أكثرت علينا يا بن رواحه . فقال ابن رواحه : أنا أقدر بالظن والتخمين وأعطيكم نصف الذي قلت: فقالوا: هذا هو الحق وبه تقوم السماء والأرض ، وقد رضينا أن نأخذ بالذي قلت .

3- فيا أيها الناس ويا من لا تفعلون النصوص ، ويا من يقول ولا يفعل ويا من يؤمن بتصفية الحسابات ، ويا من بجور فى حكمه ناصراً للقبليات ويحكم فى كل قيله وفعله قانون الغاب، يا من تقرأون النص ولا تفعلونه يا من تهينون الإنسان وتظلمونه، يا من تستعينون على دنياكم ببيع دينكم بثمن بخس، يا من تبذلون الغالى والثمين للوصول إلى هدف قاتل للإنسان وإظهار عيوبه ، يا من تقولون ولا تفعلون وتبكون الناس ولا تبكون يا من تكدسون الثروات والناس جياع وتبنون الأبراج والناس يسكنون الشوارع والأكواخ يا من تنادون بأنكم تحفظون الدين وهو منكم براء . إلى كل هؤلاء وأولئك أسوق لحضراتكم هذا الأنموذج.

فعن أنس بن مالك  ، قال : كنا عند عمر بن الخطاب  إذ جاء رجل من أهل مصر – قبطي لا يدين بالإسلام – فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال : ومالك ؟ قال : أجري عمر ابن العاص – والى مصر – بمصر الخيل، فأقبلت فرسي، فلما رآها الناس، قام محمد بن عمرو بن العاص : فقال: فرسي ورب الكعبة، فلما دنا مني عرفته، فقلت : هى فرسي فقام إلى يضربني بالسوط ويقول : خذها وأنا ابن الأكرمين ، فو الله ما زاد عمر على أنه قال له : اجلس، ثم كتب إلى " عمرو بن العاص" إذا جاءك كتابي هذا فأقبل ومعك ابنك، فدعا عمرو ابنه فقال : أأحدثت حدثا . أجنيت جناية ؟ قال : لا . قال : فما بال عمر يكتب فيك؟ ثم قدم إلى عمر بن الخطاب قال أنس : فو الله إنا عند عمر ، فإذا نحن بعمرو وقد أقبل فى إزار ورداء فجعل عمرو يلتفت هل يري ابنه ، فإذا هو خلف أبيه ، فقال : أين المصري؟ فقال: ها أنذا . قال : دونك هذه الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين. اضرب ابن الأكرمين .قال أنس : فضربه حتي أثخنه، ثم قال أمير المؤمنين عمر : أجلها على صلعة عمرو .فوا الله ما ضربك إلا بفضل سلطانه ، فقال القبطي المصري: يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني . قال عمر : أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتي تكون أنت الذي تدعه . ثم قال عمر قولته المشهورة لعمرو بن العاص : أيا عمرو متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ،ثم التفت إلى المصري القبطي فقال له : انصرف راشداً فان رابك شئ فاكتب إلى ( ). رحمك الله يا أمير المؤمنين و حافظ إبراهيم يقول فيك وقد قرأ قصة المبعوث الفارسي من قبل كسري وقد رآك نائما وما تحتك إلا التراب وما يعلوك إلا شجرة تظللك من حر الشمس ورمضاء الأرض . وفيحها . يقول حافظ :
وراع صاحب كسري أن رأي عمراً

بين الرعية عطلا وهو راعيها

فوق الثري تحت ظل الدوح مشتملا

ببـردة كـاد طول العهـد يبليـهـا

فهان فى عينه ما كان يكبره

من الأكاسـر والـدنيــا بأيـديهـا

وقال قولة حق أصبحت مثلاً

وأصبـح الجيـل بعـد الجيل يـرويها

أمنت لماأقمت العدل بينهمو

فنـمـت نـوم قرير العيـن هانيـها

يوم اشتهت زوجه الحلوي

فقال لهامن أين لى ثمن الحلوي فأشريها

ما زاد عن قوتنا فالمؤمنون

به أولى فقومي لبيت المال رديها ( ).

 
عمر بن الخطاب من علماء الآخرة وكذا الرعيل الأول :

لما طبق الأوائل القرآن وفعلوه . وعملوا بالسنة ولم يهملوها عم الأمن وتقدم العالم وساد الناس الرخاء وأصبح التعاون بين الناس على البر والتقوي شعاراً، وصار الإنسان أخا للإنسان ولكن لما وقع التحاسد بين العلماء والمثقفين وأصبح العلم والشهره معلما لجل العلماء وقع العالم فيما الناس فيه الآن .

يقول ابن الجوزي رحمه الله "( تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا) ، فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون، كما قال تعالي  والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون . والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم  ( ).

وقد كان أبو الدرداء  : يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه .وقال الإمام أحمد رحمه الله لولد الشافعي رحمه الله : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر.

والأمر الفارق بين الفئتين أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ، ويحبون كثرة الجمع والثناء ، وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك وقد كانوا يتخوفونه ويرحمون من بلي به ...وكان بعضهم : إذا جلس إليه أكثر من أربعة ، قام عنهم، وكانوا يتدافعون الفتوي، ويحبون الخمول، مثل القوم : كمثل راكب البحر وقد هاج واضطرب، فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة ، وإنما كان بعضهم يدعو لبعض ويستفيد منه ، لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا ، فالأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة ( ).

وقيل فى وصف علماء الآخرة : لقد رأيت الرجل ليجلس مع القوم يرون أنه – عيي- وما به من عي إنه لفقيه مسلم، وكان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يري ذلك فى تخشعه وهديه وفى لسانه وبصره وبره . وقال الشافعي رحمه الله : ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ ، وما ناظرت أحداً إلا ولم أبال بين الله الحق على لسانه أو لساني( ).

الاسلام أول من طبق حق المواطنة لجميع الناس:

لقد وادع النبي  اليهود وهم من أهل الكتاب ، أقرهم على دينهم وأموالهم.

وهذه الموادعة تتضمن المبادئ التي كانت عليها أول دولة فى الإسلام وفيها من الإنسانية والعدالة الاجتماعية ، والتسامح الديني ، والتعاون على مصلحة المجتمع ما يجدر بكل باحث عن الحقيقة أن يرجع إليها ويتفهمها ، ويحفظ مبادءها.

وإليك المبادئ العامة التي تضمنتها هذه الوثقية التاريخية الخالدة:

1- وحدة الأمة الإسلامية من غير تفرقة بينها.

2- تساوي أبناء الأمة فى الحقوق والكرامة .

3- تكاتف الأمة وتعاونها على البر والتقوي دون الظلم والعدوان.

4- إشتراك الأمة فى تقرير العلاقات مع أعدائها ، لا يسلم مؤمن دون مؤمن .

5- تأسيس المجتمع على أحسن النظم وأهداها وأقومها .

6- مكافحة الخارجين على الدوله ونظامها العام ووجوب الامتناع عن ظلمهم أو البغي عليهم.

7- حماية من أراد العيش مع المسلمين مسالما متعاونا والامتناع عن ظلمهم أوالبغي عليهم .

8-لغير المسلمين دينهم وأموالهم لا يجبرون على دين المسلمين ولا تؤخذ منهم أموالهم .

9- على غير المسلمين أن يسهموا فى نفقات الدولة ، كما يسهم المسلمون .

10-على غير المسلمين أن يتعاونوا معهم لدرء الخطر عن كيان الدوله ضد كل عدوان.

11- وعليهم أن يشتركوا فى نفقات القتال ، ما دامت الدوله فى حالة حرب.

12- على الدولة أن تنصر من يظلم منهم ، كما تنصر كل مسلم يعتدي عليه.

13- على المسلمين وغيرهم أن يمتنعوا عن حماية أعداء الدولة ومن يناصرهم.

14-إذا كانت مصلحة الأمة فى الصلح ، وجب على جميع أبنائها مسلمين وغير مسلمين أن يقبلوا بالصلح .

15- لا يؤاخذ إنسان بذنب غيره ، ولا يجني جان إلا على نفسه وأهله.

16- حرية الانتقال فى داخل الدولة والى خارجها مصونة بحماية الدولة.

17- لا حماية لآثم ولا لظالم .

18- المجتمع يقوم على أساس التعاون على البر والتقوي ، لا على ألإثم والعدوان .

19-هذه المبادئ تجمعها قوتان :

أ ) قوة معنوية وهي : إيمان الشعب بالله ومراقبته ، ورعاية الله تعالى لمن بر ووفي.

ب ) وقوة مادية وهي : رئاسة الدولة التي يمثلها النبي  ( ) قل لي بربك أيها القاري الكريم وأجب عن سؤالى : هل هناك تسامح ومواطنة أسمي من هذا الذي صنعه الإسلام مع المواطنين جميعا يهوداً كانوا أو مسلمين ؟ هل رايت سفكا للدماء فى هذه المعاهدة أو إجباراً على دخول الإسلام هل رايت فيها إهانة لإنسان أو ازدراء لدين . أو أخذ مال بغير حق أو رأيت تعاونا على حماية الوطن ومن فيه من مسلمين ويهود حقا إنها الإنسانية فى اجل معانيها والرفق فى أبهي صوره لأن رب من أرسل هذا النبي العظيم  أرسل عليه فى دستوره الخالد  ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً  ( ) فالإسلام يعتبر من يعيش على أرض المسلمين مواطنا بل أخا فى الإنسانية والوطن والآلام والآمال .والعقائد ملك للرحمن يحاسب كل صاحب ملة عليها يوم القيامة ، ولا دخل فى ذلك لإنسان لأن القاعدة  لكم دينكم ولى دين  ( ) وهذا النص الأخير فيمن لا دين له من أهل الأوثان والأصنام وعبدة الطاغوت .

حول حقوق غير المسلمين بصفته عامه :-

مر بنا فيما سبق قول الله تعالى  وأمرت لأعدل بينكم  وكل ما سبق يدخل تحت هذا النجم من الآية الشريفه ، ثم جعلت من باب العدل حقوق غير المسلمين فى الدولة الإسلامية . ومن ثم أقول:

من المفاهيم الخاطئة لدي البعض : معاملة من يبايننا فى العقيدة والمنهج بالشدة والقسوة بل معاملة كل من لم ينضم إليهم من المسلمين وخالفهم فى الرأي معاملة أقسي من معاملة اليهودي والمسيحي قد تصل فى الكثير الغالب إلى القتل والتمثيل مما جعل الكثير من العلماء يشعرون أنهم أمام عصابات إجرامية لا ترقب فى مؤمن إلا ولا ذمة .

وسوف يكون دوري منحصراً فى النقل من القرآن والسنة ، وما روي عن سلف الأمة من معاملة حسنة لأهل العهد من يهود ونصاري وغيرهم.

أولا : يقول تعالى :  لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين  ( ) أى لا ينهاكم الله تعالى عن الإحسان إلى مخالفيكم فى العقيدة الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يظاهروا ويعاونوا على إخراجكم من دياركم وخاصة النساء والصبيان وسائرا لضعفاء ( أن تبروهم ) أى : تحسنوا إليهم " وتقسطوا" أى : تعدلوا بينهم ولا تظلموهم بحال من الأحوال . "" إن الله يحب المقسطين "" الذين يعدلون بين الناس أجمعين ( ). وعن هشام ابن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر -  - قالت : أتتي أمي راغبة – فى عهد قريش- فسألت رسول الله  . أصلها؟ قال : " نعم " ( ).

أم راغبة وكانت كافرة وقلبها عن الإيمان بعيد ، بل ربما بذلت جهدها فى صرف ابنتها عن الإسلام ، وتأتي إلى ابنتها طامعة طالبة برها، ومع ذلك يأمرها  بصلتها لا بقتلها أو التمثيل بها ، أو على الأقل بطردها من المدينة كلها لتذوق حر الصحراء وهجيرها ، ولكنها الرحمة والسمو الأخلاقي للعظيم سيدنا محمد  الذي يعرف للإنسان قدره وإن كان على غير ملته.والإسلام يبين لأصحابه أنه مهما كان من حقد غيركم عليكم ومهما صبوا عليكم من العذاب صبا ، فإن لكم من دينكم ما يعصمكم من الزلل أو الظلم أو التمثيل بهم تحت أي بند من البنود إلا دفع هذا الظلم بالطريق الأخلاقي لا بالتخريب أو التدمير أو شن الغارات لتشمل الأبرياء من النساء والولدان والزروع والثمار . قال تعالى :  وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفي وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين  ( ) ويقول عليه السلام وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً  ( ) ويقول الله تعالى  ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( ) قال سعيد بن جبير : لمن حق الأمور التي أمر الله بها . أى : لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل  ( ) ويقول :  ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم  ( ) قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الاساءة، فإذا فعلوا ذلك ، عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم كأنه ولى حميم ( ) ويقول :  وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم له خير للصابرين . واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون  ( ) .

روى الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب قال : لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلاً ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله  لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم – لنزيدن- فلما كان يوم الفتح قال رجل : لا تعرف قريش بعد اليوم ، فنادي منادي رسول الله  أن رسول الله  آمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا – ناسا سماهم – فأنزل الله تبارك وتعالى "" وإن عاقبتم ...." فقال رسول الله  ""نصبر ولا نعاقب "" ( ). أيها العالم المتحضر أهذا دين انتشر بالسيف ؟ أهذا دين فرض الإرهاب على العالمين ومن جاء به يري عمه ممزق الجسم متناثر الأشلاء وتمضع كبده ويمثل به ولما يسمع وحي السماء مطالبا إياه بالصبر والاحتساب يقول ما قال نصبر يارب ونحتسب ولا نعاقب ياليتكم تقرءون تاريخ هذا العظيم قبل أن تحكموا عليه من خلال كلام الأفاكين والموتورين يحدثنا التاريخ الصادق أن كعب بن زهير هجا النبي  وعابه عشرات المرات فلما ضاقت به الدنيا على سعتها وضاقت به الأرض واشفق على نفسه من أخذه بجرائمه ضد الإسلام والمسلمين، توجه بكامل إرادته ميمما وجهه إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام ، فلما دخلها توجه إلى رسول الله حتي جلس بجواره – ورسول الله  لا يعرفه – ووضع يده في يد الرسول الكريم، وقال : يا رسول الله . إن كعب ابن زهير جاء ليستأ منك تابعا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول  "نعم" قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير . وهنا وثب إليه رجل من الأنصار يريد قتله ، فقال الرءوف الرحيم  "" دعه عنك فإنه جاءنا تائبا نازعا " فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الأنصار للذي أرادوه به فقال قصيدته اللامية المشهورة التي يصف فيها محبوبته وناقتها التي أولها .

بانت سعـاد فقلبـي اليـوم متبول

متيـم إثـرها لـم يفـد مكبول

وما سعـاد غداة البيـن إذ رحلـوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحول

هيفاء مقبلـة عجـزاء مـدبـرة

لا يشتكـي قصر منها ولا طول

تمشي الغـواة بجنبيهـا وقولهـم

إنـك يا بن أبي سلمـي لمقتول

وقـال كل خليـل كنـت آملــه

لا ألهينـك إني عنـك مشغـول

فقلـت خلـوا سبيلـي لا أب لكم

فكـل ما قدر الرحمـن مفعـول

كـل ابن أنثي وإن طالـت سلامته

يومـا على آلة حدبـاء محمول

نبئت أن رسـول الله أوعدنـــي

والعفـو عند رسول الله مأمـول

مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الــ

قرآن فيهـا مواعيــظ وتفصيل

لا تأخذنــي بأقوال الوشـاة ولـم

أذنـب ولو كثـرت في الأقاويـل

لقـد أقوم مقـامـا لو يقــوم به

أري وأسمع ما لو يسمع الفيـل

لظـل يـرعـد إلا أن يكــون له

من الرسـول بإذن الله تنـويــل

حتي وضعـت يميني ما أنا زعهـا

فى كف ذي نقمـات قولـه القيل

فلهــو أخوف عندي إذ اكلمــه

وقيـل إنـك منسوب ومسئـول

من ضيغـم من ضراء الأسد مخدره

فى بطـن عثر غيل دونه غيل

إن الرسول لنــور يستضاء به

مهنــد من سيوف الله مسلول

فى عصبة من قريش قال قائلهم

ببطن مكـة لما أسلمـوا زولوا

زالوا فما زال أنكــاس ولا كشف

عند اللقــاء ولا ميل معازيـل

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

ضرب إذا عرد السـود التنابيـل

شم العـرانيـن أبطـال لبوسهـم

من نسج داود فى الهيجا سرابيل

بيض سوابغ قـد شكـت لها حلق

كأنها حلــق القفعـاء مجـدول

ليسـوا مفازيع إن نالـت رماحهم

قوما وليسوا مجاز يعا إذا نيلـوا

لا يقـع الطعن إلا فى نحـورهـم

وما لهم عن حياض الموت تهليل

قال ابن اسحاق : قال عاصم بن قتاده: فلما قال كعب: (إذا عرد السود التنابيل ) إنما يريد معاشر الأنصار لما أراد رجل من الأنصار أن يقتله ومدح المهاجرين دون الأنصار ، غضبت الأنصار ، فقال بعد أن أسلم مادحا الأنصار وذاكراً بلاءهم مع رسول الله 

من سره كـرم الحيـاة فلا يزل

فى منقب من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابراً عن كابـر

إن الخيـار هـم بنو الأخيـار

المكرهيـن السمهـري بأذرع

كسوالف الهنـدي غير قصـار

والناظـرين بأعين محمــرة

كالجمـر غير كليلـة الإبصـار

والبائعيـن نفوسهـم لنبيهـم

للمـوت يوم تعانـق وكـرار

يتطهـرون يرونه نسكـالهـم

بدماء من علقـوا من الكفـار

دربوا كمـا دربت ببطن خفية

غلب الرقاب من الأسود ضوار

وإذا حللـت ليمنعـوك إليهـم

أصبحت عند معاقـل الأغفـار

ضربوا عليـا يوم بدر ضربـة

دانت لوقعتهــا جميع نـزار

لو يعلم الأقــوام علمي كلـه

فيهـم لصدقنـي الذين أماري

قوم إذا خـوت النجوم فإنهـم

للطـارقين النازليـن مقـاري

لقد قال كعب هذه الأبيات فى الأنصار لما قال له داعية الخير ورسول السلام"" لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإن الأنصار لذلك أهل" فقال كعب هذه الأبيات ، فلما وصل إلى قوله إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول.

رمي رسول  بردة كانت عليه بركة عليه واستحسانا للقول الطيب شعراً كان ذلك أو نسراً وميلا للقلوب إلى الهدي وحثا للناس على الكلمة الطيبه لكل أبناء الإنسان – وتمر السنون ويقدم سيدنا معاوية من المال عشرة آلاف ليحظي بالبردة ويأخذها بالثمن من كعـب فيأبي كعب المال وبريقه ويقول : ما كنت لأوثر بثوب

رسول الله أحداً ، فلما مات كعب رحمه الله اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألفا ، قال ابن هشام : وهي البردة التي عند السلاطين إلى اليوم . ( ). وعلى كل حال فالمسلمون حين مكنوا فى الأرض واستعلى شأنهم ما مكروا بأحد وما احتلوا أرض إنسان لأن ربهم يقول  الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ( ) .

إن ما قام به الذين لا يفهمون سماحة الشرائع السماوية من تمزيق للبشر وطحن للعظام ورقص على الأشلاء وإطعامها للكلاب ، هل يجعلنا نحن المسلمين نصنع صنيعهم ونمثل بأشلائهم والجواب من خالق الإنسان ومرسل الأنبياء ومنزل الشرائع جل فى علاه :  فمن عفي وأصلح فأجره على الله ( ) وقد أجاب على هذا السؤال النبي  يوم فتح مكة الذين أخرجوه وبذلوا كل شئ ليعذبوه وأصحابه فلما تمكن منهم يوم الفتح قال  اذهبوا فأنتم الطلقاء اذهبوا حيث شئتم أحراراً فى ظل عدالة الإسلام .

ولقد نهي النبي  عن إيذاء الذمي الذي له ذمة الله ورسوله والذي يعيش فى مجتمع كله أوجله مسلمون ، وبين أن من ظلم واحداً منهم أو آذاه ولو بكلمة نابيه فقد آذي النبي  نفسه قال عليه الصلاة والسلام :  من آذي ذميا فقد آذاني . ( )

ووضح صلى الله  أن المعاهد له حرمة خاصة ، ومن ثم فلا يظلم ولا يهان ولا ينتقص من حقه شئ ، ولا يكلف فوق طاقته، ولا يؤخذ منه شئ بغير طيب نفس ، علما بأنه من غير المسلمين وليس بينه وبينهم إلا عهد الله وميثاقه.يقول   ألا من ظلم معاهداً أو تنقصه – حقه – أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصمه  . ( ) وفى كتاب رسول الله  لنصاري وأهل نجران يقول :  ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي  رسول الله على أموالهم وملتهم ، وبيعهم – كنائسهم – وكل ما تحت أيديهم  . ( ) وورد فى قرار أبي بكر -  -  وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم فى الصوامع ، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له.  . ( ) وفى فتح بيت المقدس ، قال عمر -  - عقب الفتح : هذا ما أعطي عمر أمير المؤمنين أهل " إيلياء" من الأمان : أعطاهم أمانا لأنفسهم فى أموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها ، وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ، ولا من خيرها ، ولا من صلبهم ولا من شئ من أموالهم . ( ) .

وقال  "إنما بذلوا الجزية، لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا"" ( ) .

وأختم هذا الموضوع بكلام طيب للدكتور/ عبد العزيز كامل وزير الأوقاف المصرية الأسبق رحمه الله .

يقول : والمجتمع مسئول عن حماية الفرد وإنتاجه ، تستوي فى هذا نفس المسلم وغير المسلم .

ولنأخذ مثالا على ذلك من حالة القتل العمد :

فالإسلام : لا يفرق فى القصاص بين أن يكون القتيل رجلا أو أمراة ، بالغا أو صبيا، عاقلا أو مجنونا ، عالما أوجاهلا ، غنيا أو فقيراً، مسلما أو ذميا ، أبيض أو أسود ، وذلك لعموم قوله تعالى - وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس  . ( ) وقوله جل وعز : -  ولكم فى القصاص حياة يا أولي الأباب لعلكم تتقون  . ( ) ولا يفرق الإسلام بين أن يكون القائل واحداً أو جماعة ، بالغا ما بلغ عددهم ، بل إن فقهاء الإسلام ليقررون أن : أحق ما يجعل فيه القصاص ، هو قتل الجماعة بواحد، لأن القتل لا يوجد عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع ، فلو لم يجعل فيه القصاص ، لا نسد باب القصاص ،إذ كل من رام قتل غيره ، استعان بآخرين يضمهم إليه ، ليبطل القصاص عن نفسه، وفى ذلك تفويت لما شرع له القصاص( وهو الحياة ) . وقد قتل عمر بن الخطاب  : جماعة فى واحد ، وقال فى ذلك : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا .

ويذهب طائفة من فقهاء الإسلام على رأسهم الإمام أبو حنيفة: إلى أن قتل المسلم بالذمي أبلغ منه فى قتل المسلم بالمسلم ، لأن العداوة الدينية قد تحمل على القتل ، فكانت الحاجة إلى الزجر أمس ، وكان تحقيق الحياة فى شرع القصاص من المسلم إذا قتل ذميا، أبلغ من تحقيقها فى شرع القصاص من المسلم إذا قتل مسلما. . ( ) وبذلك يحترم الإسلام الحياة الإنسانية على الإطلاق ، ويحترم حق الإنسان فى الحياة وأنه وضع عقوبة القصاص لحماية الحياة الإنسانية دون نظر إلى جنس القاتل أو مكانته الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو لونه ، أو دينه ( ) .

أقول : إن الإسلام بين للمسلمين وغيرهم رفضه لمبدأ القتل أصلا عمداً وقصداً أو تحريضا ولو بالإشارة حتي فى القتل الخطأ لم يعر من وقع منه اهتماما بل فرض عليه الدية المغلظة هو وقبيلته يشتركون فى هذا الغرم فقال تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما  . ( )
سبب نزول هذه الآية :

قال مجاهد وغيره: نزلت فى " عياش بن ابي ربيعة أخي أبي جهل لأمه ..وذلك أنه قتل رجلا كان يعذبه مع أخيه على الإسلام ، وهو الحارث بن يزيد العامري، فأضمر له عياش السوء، فأسلم ذلك الرجل وهاجر إلى المدينة – وعياش لا يعلم ، فلما كان يوم فتح مكة رآه – فظن أنه على دين أهل مكة فقتله. فنزلت الآية ( ).

والناس حيال هذه القضية ثلاثة أنواع :

النوع الأول المسلم المقتول خطأ: -

وفيه كفارتان : إحداهما : عتق رقبة مؤمنة لتصير حرة تملك شأنها ولا تملك لأحد فيها وفي أمورها إلا الله تعالى ، والدليل من السنة . ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عبد الله ، عن رجل من الانصار ، أنه جاء بأمة سوداء فقال : يا رسول الله . إن على رقبة مؤمنة ، فإن كنت تري هذه مؤمنة أعتقها، فقال لها رسول الله  ( أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟) قالت : نعم . قال ((أتشهدين أني رسول الله ؟)) قالت . نعم . قال "" أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ "" قالت : نعم . قال : " أعتقها "( ).

وثانيتهما : الدية المغلظة على القاتل وأهله ، ترضية لأهل القتيل وذريته ومنعا للفوضي التي يحدثها اللاهون والفوضويون الذين لا يقيمون للأرواح وزنا ولا للمشاعر حرمة، ومن هنا يعيش المجتمع آمنا من أهل العبث الذين يعبثون بالسلاح أو يقودون السيارات دون احترام للنظام المفروض فى المجتمعات فلما تشعر القبيلة أنها مسئولة عن استهتار أبنائها بدفع هذه المبالغ لو أخطأ واحد منها وتتوعد وتزجر أولئك المارقين على النظام المستهترين بأرواح الناس . تأخذ على أيدي العابثين وإليك الدليل :

ثبت فى الصحيحين عن أبي هريرة  قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخري بحجر فقتلتها وما فى بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله  ، فقضي أن دية جنينها غرة عبدأ وأمة ، وقضي بدية المرأة على عاقلتها. "( ).

فرض الإسلام الدية وقدر قيمتها العلماء وبينوا كما ذكر القرآن بأنها لا بد أن تسلم الى أهل القتيل إلا أن يعفوا ويصدقوا بها ومن هنا فإن أجرهم على الله وبين الإسلام أن الحكام والأمراء والوزراء وقادة الجيوش ، لو أخطأ واحد من هؤلاء ، فعلى الدولة الدية لأهل هؤلاء المقتولين خطأ ، لا بد أن تدفع من خزانة الدولة وإليك الدليل .

روي الشيخان عن عبد الله بن عمر . قال : بعث رسول الله  خالد بن الوليد إلى بني جزيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا ، فجعلوا يقولون ( صبأنا – صبأنا ) فجعل خالد يقتلهم ، فبلغ ذلك رسول الله  فرفع يديه وقال : "" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد "" وبعث عليا -  - فودي قتلاهم- اعطاهم الدية – وما أتلف من أموالهم ، حتي ميلغة الكلب "( ). أي : الإناء الذي يشرب فيه الكلب لو أتلف فإن الإسلام يأمر المسلمين بتعويض أهله إناء كلبهم فاعتبروا أيها المسلمون وكونوا متحضرين وأعرفوا للشرائع حقها لأنها تقدر الإنسان والحيوان بل والجماد "" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا""أى برفق ولين وأدب وسمو لأن الكل يسبح لملك الملوك وعلام الغيوب وإن كنا لا نعرف ذلك ولا نفقهه : وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفوراً . ( ) .

النوع الثاني : المسلم المقتول خطأ وأولياؤ أهل حرب لنا واعتداء علينا: هذا المقتول خطأ مسلم أخطأ من قتله لأن أولياءه شنوا الحرب علينا ظلما وعدوانا وهو يعيش وسط هؤلاء الأعداء المحاربين لنا ولم يعرفه المسلمون بل قتل عن طريق الخطأ فهذا قد نص القرآن بأن على قاتله تحرير إنسان وعتقه من ذل الرق وبأس العبودية وليس على أهله دية . لأن العداوة مستمرة والمعركة دائم وهجها لا أقول بين الفينة والفينة بل أقول : إنهم يعيشون من أجل الحروب وإذكاء وقودها ولا يستطيعون العيش بدونها فمن العقل والتفكير الجيد عدم إعطائهم الدية حتي لا نعينهم على استخدام القوة على آخرين هم براء من دم القتيل ، بل إنهم يريدون الفتنة بين العالمين وإعلان أنهم مبغي عليهم حتي لو أعطيتهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وعندها يقولون لمن دفعهالهم كما قال الله تعالى  ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكي بالله وكيلاً  . ( ) ولكن الواجب أخذ الحذر والتأهب لرد عدوانهم وما يضمرون :  يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا...  . ( )

بل على أهل الإيمان أن يستجيبوا لأمر الرحمن فى قوله :  يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسي ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله... . ( ) .

ومن هنا كان اعتاق رقبة مؤمنة وتحريرها هو بمثابة تعويض للمجتمع بأن تحتل هذه الروح المؤمنة فى المجتمع مكان ذلك الإنسان الذي زهقت روحه عن طريق الخطأ لتعمل عمل الأحرار فى المجتمع الإيماني وألا يعان المحاربون بالمال الذي يستخدمونه فى إزهاق ارواح المجتمع الإنساني ككل كما تفعل الصهونيه التي لا تؤمن بشرائع السماء حيث إنها لا تؤمن بالمسيح ولا بمحمد عليهما السلام، وكل المجتمعات التي تباينها فيما يعتقدون مآلها إلى القتل بحجة حماية السامية التي هم منها براء.

النوع الثالث : المقتول خطأ من أهل الذمة والمعاهدات: وهو المنصوص عليه فى قوله تعالى :  وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ( ) . فهذا الرجل المعاهد وقومه ذميون ومواطنون معنا فى بلاد المسلمين أو غير مواطنين إلا أن بينهم وبين المسلمين عهوداً ومواثيق دولية فحكمهم مثل المسلم تماما:

"" فدية مسلمة إلى أهله "" قدم الدية هنا دون أن يقدمها عند التعامل مع أهل المسلم المقتول خطأ لإدخال السرور عليهم ومواساتهم بشئ محسوس يشعرهم بقيمتهم وأنهم غير مضيعين فى المجتمع أو أن مجتمع المسلمين يكيل بمكيالين ، ناهيك عن أن اعتاق الرقبة المؤمنه إنما يعود ثوابها إلى من أعتق ولا مصلحة لهم فى ذلك بالإضافة إلى أن هذه الرقبة إنما يعود خيرها إلى من كان مثلها فى الإيمان، أما الدية فإنها شغلهم الشاغل بل هي امتحان للقاتل المسلم وأهله ، هل ينجحون فيه أم يخسرون الدنيا والآخرة والدية هنا كدية المسلم تماما لا تقل عنه بحال ، بل تعطي والقلوب خالية من الضغينة والوجوه غير عابسه، ويصاحب ذلك الاعتذار وأن كل شئ بقضاء "" وتحرير رقبة مؤمنة"" والملاحظ هنا أنه لم يقل : ( إلا أن يصدقوا ) وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام زائد وأنه لا ملجئ لهذا القول هنا حتي لا يؤثر عليهم فى عدم القبول أو يرغبهم إنسان فى العفو وهنا ربما يخجلون فيتركون فجل وعز من أنزل هذا الكتاب العزيز .

نهاية المطاف وحكم من لم يجد الرقبة وهو أمر معلوم :-

"" فمن لم يجد "" أى : فمن لم يجد الرقبة وهو أمر فى زماننا معلوم أو وجدها والمال غير متواجد وغير ميسور فعلى القاتل خطأ صيام شهرين متتابعين لا إفطار فيهما بحال إلا فى حالات الأعذار التي قررها الفقهاء.

توبة من الله وكان الله عليما حكيما :

هذا الختام يدل على أن هذا الفعل عند الله عظيم حتي وإن كان قد وقع عند طريق الخطأ فإن النفس الإنسانية فى الإسلام لها كيان خاص وتقدير من رب الأرض والسماء حيث قال تعالى  والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا  ( ) . حتي مجرد الأذي القولي والنفسي للإنسان أيا كان دينه ومذهبه مرفوض فى الإسلام قال تعالي : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله . فيسبوا الله عدواً بغير علم كذالك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون  ( ) . وأختم بآية المواثيق والعهود هذا الموضوع . قال تعالى  وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون  ( ) .

لا طبقية فى الإسلام والناس فى الحدود سواء

1- لقد تعارف المؤرخون على أن النظام الطبقي . مداره تحقيق الفصل بين فريقين من البشر يشتركان فى الوطن مع السماح لجماعة بشرية بأن تنصب نفسها سيدة على جماعة أخري ، بل وتحاول إبادة الجماعة الخاضعة ، وذلك بعد أن ترفض إستيعابها فى الكيان الاجتماعي للطبقة صاحبة السيادة ذلك هو مدار النظام الطبقي، وهذا ما كان سائدا فى معظم نظم الحكم التي سبقت الإسلام سواء فى روما أو أثينا أو آشور أو فارس.

2-وهذه النعرة المقيته قد استفحل أمرها حتي وصلت إلى حروب التصفيه العرقية ، مثل ما وقع فى البسنه بأبشع وسائل القمع والإرهاب ولم يخجل هؤلاء الحكام الظلمة بالتصريح بأنهم لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية على أرض أوربية .

وقام الصرب بعمليات تصفية جسدية لآلاف المسلمين ، واغتصاب عشرات الآلاف من الفتيات والنساء المسلمات ، حتي امتلأت الشوارع بأطفال السفاح وأصبحوا مشكلة إنسانية ودينية يصعب على المصلحين حلها

3- وامريكا التي تسمي نفسها أنها أم الحريات ، ما زالت أم الطبقية، وذلك لأن واقعها يتشكل من عشرات الجنسيات الوافدة من كل أنحاء العالم وبدستورها " الفيدرالى" استطاعت غلق الحرية والمساواة بعبقرية النصوص فالواقع المشين يجعل السود طبقة ينظر إليها كأحط الطبقات . وما انتخاب أوباما الرئيس الأمريكي إلا مناورة أمريكية تريد بها أنها دولة لا طبقية فيها، وعلى من يضحكون؟ وكذا الهنود القدامي الذين تم تصفيتهم منذ أيام الاستيطان الأولى لم يبق منهم إلا شراذم معذولة على هامش الحياة الأمريكية حتي داخل العنصر السكسوني الحاكم نري " البروتستانت" وهم أغلبية لكن نجح بأعجوبة لن تتكرر الرئيس "كينيد " الكاثوليكي .

4- والعنصر الأيرلندي يشكل تجمعا له قوته ، وتمسكه بقيم بلاده التي وفد الاجداد منها

5- ولا ريب أن النظام الرأسمالى الصارم ، قد طبع روح المنافسة والتحدي والتميز على البناء الاجتماعي ، حتي أصبح الناس كجزر منفصله ، لا يفصل بينها إلا الشعارات الجوفاء التي ينادي بها الحكام الأمريكان زوراً وبهتانا ونتيجة ذلك وقوع المجتمع الأمريكي فريسة للاحتكار الجشع المادي الذي تمثله الشركات الضخمة التي تسيطر على مجريات الأمور فى العالم كله الذي تذله أمريكا بهذا الكلام الفارغ من المضمون.

6- حتي فرنسا التي تسمي نفسها "" وطن الحرية والإخاء والمساواة"" تقوم الآن بإنشاء " جيتو " ليس لليهود فقط ، بل للمهاجرين إليها من دول شمال أفريقيا – وفى نفس الوقت تضع القوانين المتزمتة لتحد من إقامة المسلمين كما أن لديها قانونا يقضي بمحاكمة أى إنسان يشكك أو ينكر عملية حرق "" هتلر "" لليهود والمعروفة بعميلة "الهولوكوست " ومن ثم حاكمت العالم الفرنسي الحر: ""جارودي "" الذي أبطل هذه الخرافة الإسرائيلية .

7- ناهيك عما يجري للمسلمين من أمور لا تتفق وما يدعيه الغرب من محاربة للطبقية والعنصرية.

8- وخير شاهد على ذلك : ما يحدث فى دول وسط وجنوب أفريقيا وجنوب شرق آسيا ، بل والعالم الإسلامي والعربي خير شاهد على نفاق الغرب وأذنابه الذي يتعامل بوجهين ويكيل بمكالين ويقول قولة الجاهلين.

ألا لا يجهـلن أحـد علينــا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.

ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا.

9- إنه عالم غريب فاقد للعقل بل وللفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ، ومن ثم لا يستظل بمظلة الأمن والسكينة النابعة من الإيمان ، وإنما هي مظلة نووية مدمرة ، يخيل له أن الأمان لن يكون إلا فى ظلها ، كما نري ذلك من دولة الغصب والاغتصاب (اسرائيل)( ) . بل وأمريكا فى العراق وأفغانستان بالجيوش وآلات التدمير ، وفى غيرها بالاستنزاف المادي وأخذ الثروات والغزو الفكري والجنسي فى العالمين العربي والإسلامي بل وتحريض الشعوب على حكامها وولاة أمورها بإحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد زعزعة للأمن وإرهابا للنظام .

فتحت عنوان "" وقفة لثقافة اللجوء للمؤسسات الدينية "" فى صحيفة : أخبار اليوم .

يقول المواطن الأصيل الدكتور/ نبيل لوقا بباوي:

أصبح اسم ( كاميليا شحاته ) زوجة : " كاهن " ديرمواس ، تتناقله وكالات الأنباء العالمية ،لأن هذه الوكالات تحاول الإساءة لسمعة مصر ، بتصوير الحادث على أنه حادث طائفي ، ومما جعل وكالات الأنباء العالمية تهتم بالموضوع المظاهرة التي أقامها المسيحيون أمام الكاتدرائيه بالعباسية ، وقد ثبت أن هناك محرضين لأن " كاميليا" لم تكن مخطوفة ولم تشهر إسلامها ، بل حدث خلاف مع زوجها مثل أى زوجين فى القارات الست ، وتوجهت لصديقة لها فى القاهرة ، فما الداعي للمظاهرات داخل الكاتدرائية ، مع احترامي الشديد لمشاعر كل من تظاهر على أساس أنها زوجة كاهن يحترمه الجميع فى محافظة المنيا .

وهنا سؤال أطرحه على المصريين المعتدلين . فى السنة الواحدة . يغيب عن منزله ما يقرب من ثلاثين ألف حالة، فلو قامت مظاهرات طائفية على أساس كل حالة غياب سوف تتحول كل أيام السنة إلى مظاهرات طائفية . إذا تغيب شخص أرثوذوكسي، تقوم مظاهرات فى الكاتدرائية بالعباسية ، وإذا تغيب شخص مسلم ، تقوم مظاهرات أمام مبني شيخ الأزهر ، وإذا تغيب شخص مسيحي كاثوليكي ، تقوم مظاهرات داخل كاتدرائية الكاثوليك، وإذا تغيب شخص إنجيلي تقوم مظاهرة داخل كاتدرائية الإنجليين . هل هذه هي الثقافة ؟ وهل هي ثقافة المظاهرات الطائفية ظاهرة صحية أو ظاهرة تسئ إلى سمعة العدالة ؟ إن ثقافة اللجوء إلى المؤسسات الدينية – سواء إسلامية أو مسيحية ، ظاهرة جديدة على مصر ، يجب أن يعاد بحثها فاللجوء إلى الكنائس والمساجد أمر مرفوض " وأحنا مش ناقصين احتقان" هكذا . ( ).

10-إن مصر لا طبقية فيها ، والكل يعيش تحت بند المواطنة التي تحدثت عنها فيما سبق من هذا الكتاب ولكن المواطنين للأسف لا يعون ما يدبر لهم بليل .ناسين أو متناسين قول الرئيس الامريكي السابق لشعبه : سوف أسوقكم فى حرب صليبية من نوع جديد – وهي حروب التفرقة بين الشعوب وتحريض بعضهم على بعض وبث الفتن بين أبناء الشرائع السماوية التي قضي عليها الإسلام بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام .

11- أقول : إن أول إجراء اتخذه الفاروق عمر ليقي النظام من فيروس النظام الطبقي المدمر هو الإبقاء على الصحابة بالمدينة وعدم مغادرتهم إلى الأمصار الإسلامية حتي لا يفتنن بهم الناس الأمر الذي يترتب عليه لو أذن لهم فى الخروج إلى تكوين الطبقات المتميزة وما يقف فى مواجهتها بحكم التدافع والحركة الاجتماعية من طبقات كادحة مطحونة . ومع هذا الإجراء العظيم الذي اتخذه الفاروق عمر ، نراه لا تفوته أحداث صغيرة قد لا يعيرها أحد انتباها ، فهو يستقدم عمرو بن العاص والى مصر وابنه لياخذ للمصري القبطي حقه من ابن الأكرمين كما ذكرت آنفاً ويقول قولته المشهورة : يا عمرو متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

12- ولما يزدحم الناس حواليه وهو يوزع أعطياتهم وياتي سعد ابن أبي وقاص وهو يزاحم الناس حتي يصل إلى عمر يعلوه بالدرة ويقول له : إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله فى الأرض ، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك.

13- الأمراء فى الإسلام يهتمون بالدين والعلم وليس الإرهاب والبطش وسفك الدماء .

قال الفاروق عمر : إني والله ما أرسل إليكم عما لا ليضربوا أبشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ، فمن فعل به شئ سوي ذلك، فليرفعه إلى ، فوا الذي نفسي عمر بيده لأقصنه منه .

14- لا تعالى ولا فرعنة من فئة من الناس فى عهد عمر على أحد من الرعية حتي وإن كان قبل إسلامه ملكا من الملوك ، وليس فى مجتمعه صفوة من الناس ولا أولاد صفوة كما نري فى القرن الواحد والعشرين .

كان جبلة بن الأيهم أمير الغساسنة فى الشام انضم الى الروم فى حربهم ضد المسلمين ظانا أن الدولة ستكون للروم فلما رأي العكس أسلم هو وقومه فقدم على عمر ومعه من قومه خمسمائة فى موكب فاخر يلبسون الحرير وعلى خيلهم قلائد الذهب والفضة ، ويتوج جبلة رأسه بتاج مهيب ورأي المسلمون هذا الموكب المهيب ، ورأوا أميرهم وهو يرحب به فى مدينة الرسول  ، ثم يرافق عمر إلى الحج ، وبينما يطوف جبلة حول البيت إذ وطئ رداءه رجل من بني فزارة ، فلطم جبلة الفزاري لطمة هشمت أنفه، وهنا شكا الفزاري إلى عمر جبلة ، فقال له عمر العادل: إما أن ترضيه وإما القصاص ، وهنا تظهر رذيلة (الأنا) لدي جبلة ويقول لعمر : كيف يكون ذلك وأنا أمير وهو من سوقة الناس؟ فقال له ابن الخطاب : إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوي: فيقول جبلة الملك للفاروق عمر : قد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون فى الإسلام أعز مني فى الجاهلية وكان من أمر جبلة ما كان فقد هرب بليل وكان يكفيه كلمات يقولهن للرجل المهشم أنفه ولكن النعرة الكاذبة تتصادم مع العدل وتأباه فيخسر صاحبها الدنيا والآخرة.

وتصرف عمر مع هذا المغرور، إنما كان بإضافة العدل يزيل الحدود بين الأمير والسوقة، فيما يخص حقا ظاهراً ، لأن التغاضي الذي كان يريده جبلة بن الأيهم ، إنما كان سيؤدي إلى امتياز وهو إحياء لمبدء الأنا وأولاد الذوات الذي انتشر فى أيامنا هذه انتشار النار فى الهشيم فأصبحنا نسمع أولاد السادة، وأولاد الوزراء وأولاد البيئة وأولاد النواب وأولاد المسئولين .

14- والآن نستطيع أن نقول ونحن مطمئون : إن عمر سبق عصره بل وسبق العصر الذي نعيشه الآن ، حين حقق العدالة بين الناس ، وإذا بة الفوارق السياسية والدينية والاجتماعية فالكل لآدم وآدم من تراب .

15-لقد حقق العدالة الاجتماعية بأسمي معانيها ، فليس فى عهده رجال أعمال ولا أولاد رجال اعمال ، ولكنه وزع المال على المسلمين توزيعا عادلا ولم ينس أهل الكتاب الذين أطعمهم وكساهم ونصرهم وحافظ على مقدساتهم من أناجيل وكنائس ، وما أمر تعامله مع رهبان وقساوسة كنيسة القيامة بفلسطين ببعيد ولقد لفتت هذه الإنجازات نظر رجل لا يدين بالإسلام وهو ( مايكل هارت ) المفكر الأمريكي إذ ضم عمر فى كتابه:"" عظماء العالم مائة أولهم محمد إلى هؤلاء العظماء  ( ).

وسادس تلك الكلمات المحكمات العشر

قوله تعالى : ( الله ربنا وربكم ) .

الله هو رب العالمين كما جاء ذلك فى أول سورة في المصحف الشريف وهي سورة "الحمد" التي تبدأ بقوله تعالى "" الحمد لله رب العالمين " الفاتحة رقم 2.

" الله " علم على الرب تبارك وتعالى ، يقال : إنه الاسم الأعظم ، لأنه يوصف بجميع الصفات ، كما قال تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لآ اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون . هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسني يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم  . ( ) وقال جل شأنه : " قل ادعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني  . ( ) وفى الصحيحين عن أبي هريرة ، أن رسول الله  قال " إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة"" وجاء تعدادها فى رواية الترمذي ( ) وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى ، ولا يعرف له اشتقاق فى كلام العرب من "فعل" و"يفعل" فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له . وقيل : إنه مشتق واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج.

لله در الغانيات المدة .(1) سبحن واسترجعن من تألهي فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر "" وهو التأله " من (أله) (يأله) (إلاهة) و(تألها) كما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ قول الله تعالى " ويذرك وآلهتك ... . ( ) بقراءة "" وإلا هتك "" قال : عبادتك . أى : أنه كان يعبد ولا يعبد. وكذا قال مجاهد وغيره . وأصل ذلك الإله ، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة ، فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة التي فى أولها : للتعريف ، فأدغمت إحداهما فى الأخري ، فصارتا فى اللفظ ، لا ما واحداة مشددة وفخمت تعظيما فقيل " الله".. ( ) .

ويوضح القرطبي الموضوع أكثر فيقول : روي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي "الله" ""إلها"" لأن القوم يتألهون إليه فى حوائجهم ، ويتضرعون إليه عند شدائدهم .

وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شئ مرتفع:"لاها" فكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت .

وقيل : من (أله الرجل) إذا تعبد، و(تأله) إذا تنسك . ومن ذلك قراءة ابن عباس "" ويذرك وإلا هتك "" قالوا : وعبادتك كما مر.

قالوا : فاسم "الله" مشتق من هذا . فهو تعالى : المقصود بالعبادة، ومنه قول الموحدين " لا إله الا الله " معناه : لا معبود بحق الا الله أوغير الله لأن "إلا" فى الكلمة بمعني: (غير) لا بمعني الاستثناء. وزعم بعضهم أن الأصل فيه : "الهاء" التي هي الكتابة عن الغائب، وذلك أنهم أثبتوه موجوداً فى فطر عقولهم، فأشاروا إليه بحرف الكتابة، ثم زيدت فيه لام الملك ، إذ إنهم قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها ، فصار :"له" ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما وذهب جماعة من العلماء ، منهم الشافعي وأبو المعالى والخطابي والغزالى والمفضل وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللازم لا زمتان لله سبحانه ، لا يجوز حذفهما منه ، قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية الإسم ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه كقولك : يا الله، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ، ألا تري أنك لا تقول : يا الرحمن ، ولا يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدل ذلك على أنهما من بنية الاسم . قوله تعالى:  رب العالمين . أى : ما لكهم ، وكل من ملك شيئا ، فهو ربه فالرب : المالك ، وفى الصحاح الرب اسم من أسماء الله ، ولا يقال فى غيره إلا بالاضافة.

والرب: السيد ، ومنه قوله تعالى  اذكرني عند ربك. ( ) . والرب : المصلح والمدبر والجابر والقائم، ويقال : فى التكثير: رباه وربته وربته . وفي الصحاح : ورب فلان ولده يربه ربا، ورببه، وتربته بمعني أى : رباه ، والمربوب : المربي. ويقول بعض العلماء : هذا الاسم هو اسم الله الأعظم ، وذلك لكثرة الداعين به وتأمل ذلك فى غيرما آية من القرآن ( ) .تجد ما قلناه ، وذلك لما يشعر به هذا الوصف من الصلة بين الرب والمربوب ، مع ما يتضمنه من العطف والرحمة والا فتقار فى كل حال.

ومتي دخلت الألف واللام على "رب" اختص الله تعالى به ، لأنها للعهد وإن حذفتا منه ، صار مشتركا بين الله تعالى وعباده ، فيقال : الله رب العباد، ورب زيد والدار، فالله تعالى : رب الأرباب ، يملك المالك والمملوك وهو خالق ذلك ورازقه ، وكل رب سواه غير خالق ولا رازق وكل مملوك فمملك بعد أن لم يكن، وممتنع ذلك من يده ، وإنما يملك شيئا دون شئ ، وصفة الله تعالى مخالفة لهذه المعاني ، فهذا هو الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين "العالمين" فى هذا اللفظ وردت أقوال كثيرة اشملها وأجمعها العالمون جمع عالم – بفتح اللام ، وهو كل موجود سوي الله تعالى ولا واحد له من لفظه مثل "رهط" و"قوم" ( ) .

وكان هذا التعريف هو أصح الأقوال وأجمعها ، لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قول الله تعالى  قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السموات والأرض وما بينهما. ( ) .

ثم هو مأخوذ من العلم والعلامه، لأنه يدل على موجده ، كما قال الزجاج : العالم كل ما خلقه الله فى الدنيا والآخرة ، قال الخليل :العلم والعلامه والمعلم : ما دل على الشئ ، فالعالم دال على أن له خالقا ومدبراً وقد ذكر أن رجلا قال بين يدي الجنيد : الحمد لله ، فقال له : أتمها كما قال الله : قل " رب العالمين " فقال الرجل : ومن العالمين حتي تذكر مع الحق ؟ قال : يا أخي . فإن المحدث إذا ذكر مع القديم لا يبقي له أثر ( ) .

ومن هنا نقول : فإن ربنا ورب الناس جميعا ورب الكون العلوي والسفلى هو الله المنعم على الخلق بالنعم والعلم والإيجاد والرحمة لهم ومن أجل ذلك فحق على الكون بمن فيه أن يعبد هذا الرب العظيم الذي خلق السموات والأرض فى ستة أيام وأمر البشرية بعبادته لأنه المستحق للعبادة لا سواه.

قال الله تعالى  يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون . ( ) .

فكأن الله تعالى ينادي البشرية كلها عربها وعجمها فيقول لها : اعبدوا هذا الإله العظيم الذي خلقكم مما تعلمون  فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر . ( )

ولا تعبدوا غيره لأنه الذي خلقكم على هذه الحلقة العجيبة الذي يحار فيها أولوا الألباب من هذا الماء الذي يتولد منه الذكر والأنثي.  أيحسب الإنسان أن يترك سدي .ألم يك نطفة من مني يمني . ثم كان علقة فخلق فسوي . فجعل منه الزوجين الذكر والأنثي . ( ) هذا الإله العظيم هو الذي صورنا فاحسن صورنا وظللنا بسمائه وجعل لنا الأرض مستقراً لنا أحياء وأمواتا.

 خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير . ( )  هو الذي يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم . ( ) وأنعم على البشرية بطعامها وشرابها دون تعب لهم أو مشقة تصيبهم. فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم . ( ) هذا الإله العظيم الذي يعبده أصحاب الشرائع أمر البشرية أن تتعامل بسمو أسلوب وأرق تعبير . فقال وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربي واليتامي والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون . ( ) ونهي سبحانه وتعالى عن توجيه سباب من يباين المسلمين فى العقيدة من عباد الأوثان الذين قالوا لنبيه  : لئن لم تنته عن سب آلهتنا لنسبنك وإلهك فقال الله تعالى  ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون .( ) وإذا كان السباب مرفوضا من المسلم للمشرك . فإن المساس بالمعاهد والذمي بأى أذي قتلا أو سبا، يعاقب صاحبه بإبعاده عن رحمة الله بحرمانه من دخول الجنان ورضا الرحمن . قال  :  من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما .( ) بل وتناولت الشريعة الإسلامية بالعقاب نفسه بجانب أنه آيس من رحمة الله . أقول : تناولت الشريعة كل من حرض أو أعان على قتل النفس ظلما وعدوانا بالعذاب الأليم والطرد من رحمة الله دنيا وآخري . قال  : من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله تعالى: مكتوب بين عينيه أيس من رحمة الله .( ) هذا هو الإسلام الذي أمرنا نحن وأهل الكتاب بل الإنسانية كلها بعبادته والخشوع لله ونشر المحبة والفضيلة بين العالمين كي نتقدم دنيا ونسعد فى الحياة الآخرة سعادة دائمة.

هذا ومن العداله بأهل الكتاب ما جاء منصوصا عليه فى القرآن والسنة واهتدي به الأوائل من هذه الأمه .

*جعل الله تعالى حفظ الكنائس صغيرها وكبيرها من مهمة القائد المسلم بل على راس مهامه . جا ذلك فى ما جاء من آيات تبين أسباب الجهاد فهاكها : قال الله تعالى  أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.( ) فأسباب جهاد المسلمين تنحصر فى هذه الأمور .

* الظلم الذي كان وما يزال يعاني منه المسلمون حتي اليوم والذي حرمته جميع الشرائع الأرضية والسماوية . اقرأ فى ذلك قوله تعالى  فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا .. .( ). وقوله جل شأنه  ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء.... .( ). وقوله جل شأنه  كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر . ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقي الماء على أمر قد قدر . وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر .( ).

فنهاية الظلم خراب ودمار وتشنيع بالظالم وعار، وسيأتي يوم القيامة عاضا على يديه فى جهنم وبئس القرار . قال  ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني أتخذت مع الرسول سبيلا . يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلاً . لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا.( ).

فرب الأرض والسماء قص علينا نهاية الظالمين وأمرنا بمجاهدتهم حتي يعم الأمن العالم أياكان ساكنوه إحتراما للإنسان المصنوع بيد الله والمخلوق بيدي الرحمن . كما أقر بذلك الإنجيل والقرآن وأخرج الله تعالى من الجنة إبليسا بسبب تكبره وتعاليه على آدم النبي الإنسان وبسبب تعالمه على الواحد الديان قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ام كنت من العالين . قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين.( ).

قال الشاعر الحكيم :-


لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً


فالظلم ترجع عقباه إلى الندم


تنام عيناك والمظلوم منتبه


يدعو عليك وعين الله لم تنم




وقال الشافعي رحمه الله :-


إذا اتخذ الظلم ابن آدم مذهبا


ولـج عتوا فى طريق اكتسابــه


فكلـه إلى صرف الليـالـى


فإنها ستبدي له ما لم يكن فى حسابه


فكم قد رأينا ظالما متجبـراً


يـري النجم تيها تحت ظـل ركابه


طغي وبغي حتي غـره البقا


أنا خت جميـع النائبـات ببابـه

*ومن الأسباب التي أمر المسلمون بالجهاد من اجل تحقيقها ، جهاد الظالمين الذين أخرجوهم من أوطانهم بسبب قولهم : الله ربنا ولا معبود بحق سواه من أجل ذلك تركوا الديار والأموال وكل ما يملكون وهانت عليهم الدنيا وما فيها لرفع كلمة الله وتطبيق حرية العقيدة لما فتحت على أيديهم بلاد الله تعالى فهذا عمر بن الخطاب الأمير العادل الذي فهم الإسلام نصا وطبقه على نفسه أولا ثم على الناس جميعا .

يقول بعض الباحثين : إن إلمام عمر بأحكام الشريعة والسنة، وصحبته الطويلة مع النبي  : والصديق أبي بكر وطبيعة شخصيته، جعلت العدل سمة من سماته وهواية فى حياته ، قضية مهمة تشغل با له، يضع لها المعايير، ويحدد لها الاجراءات والأساليب التي تكفل رسوخها وشمولها ، ولا يكتفي ابن الخطاب بوضع نفسه أسوة للمسلمين فى هذا المجال ، كما أنه لم يكتف بإرساء القواعد والاجراءات ، وإنما نراه فى رسالته إلى أبي موسي الأشعري يضع –لأول مرة _ لائحة العمل القضائي المستقل فى كلمات رائعة خالدة اتخذها قضاة المسلمين بعد ذلك نبراسا وهديا فى عملهم الذي لا يحابي فيه مسلما على آخر مهما كان المعتقد ومهما كان الدين الذي يتبعه المعتدي أو المعتدي عليه ، يقول عمر لقاضيه أبي موسي "" بسم الله الرحمن الرحيم" من عبد الله أمير المؤمنين إلى : عبد الله بن قيس ، سلام عليك أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعه ، فافهم إذا أدلي إليك وانفذ إذا تبين لك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآسي بين الناس فى وجهك وعدلك ومجلسك ، حتي لا يطمع شريف فى حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من ادعي واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحا أحل حراما ، أو حرم حلالاً ، ولا يمنعنك قضاء قضيتة بالأمس فراجعت اليوم فيه عقلك ، وهديت فيه إلى رشدك ، أن ترجع إلى الحق ، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي فى الباطل ، الفهم الفهم فيما تلجلج فى صدرك مما ليس فى كتاب الله ولا سنة رسول الله  ثم اعرف الأشباه والأمثال ، وقس الأمور عند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق ، واجعل لمن ادعي حقا غائبا أو بينة أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينته ، أخذت له بحقه، وإلا وجهت القضاء عليه، فإنه أنفي للشك، وأجلي للعمي ، المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلوداً فى حد ، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا فى ولاء أو نسب ، فإن الله سبحانه تولي منكم السرائر ودرأ بالبينات والأيمان . وإياكم والقلق والضجر والتأذي بالخصوم ، والتنكر عند الخصومات ، فإن الحق فى مواطن الحق ، يعظم الله به الأجر ، ويحسن به الذكر ، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه ، كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه ، شانه الله ، فما ظنك بثواب الله فى عاجل رزقه وخزائن رحمته . والسلام .( ).

والرسالة لا تحتاج إلى تعليق إلا على فقرة واحدة من فقراتها الطوال ) آسي بين الناس ) أى : اعدل بين بني آدم أيا كان دينهم ولا يحملنك اختلاف الدين على الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة . وهنا يرد دستور الإسلام على من ظن أو اعتقد أن الإسلام دين لا يحب العيش مع الآخر ، أو يأمره بالخروج من الوطن تحت هذه الراية العمياء فيقول : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن وشاء فليكفر ) .( ). فالنفس الإنسانية فى الإسلام محترمه ، حيا كان صاحبها أو ميتا . وتحقيق ذلك أنه فى عصر النبي  قد مرت عليه جنازة محمولة على رقاب الناس فوقف لها النبي  ، فقيل له : إنها جنازة يهودي فقال محترم الإنسان : " أليست نفسا" .( ).

نزاع الأقليات المسلمه مع الآخر لا يبطل المعاهدات :

ومما يدل على سماحة الإسلام وتقديسه للمعاهدات الدولية أنه إذا كانت أقلية مسلمة تعيش فى كنف دولة معاهده ( على غير دين الإسلام) وحدث نزاع بين هذه الأقلية المسلمة والدولة التي تعيش فيها، فلا ينبغي للمسلمين أن يهبوا لنصرة إخوانهم، حفاظا على العهد المبرم بينهم وبين أولئك ، حتي ولو كان هذا القتال لنصرة الإسلام نفسه .( ).

يقول تعالى  والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتي يهاجروا وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعلمون بصير .( ).

فالإسلام لا يقاتل أهل ذمة ولا أهل كتاب طالما أنهم معاهدون ولم يناصروا أحداً على الإسلام والمسلمين وخاصة أبناء الوطن الواحد الذين يقاتلون عدواً مشتركا لا يؤمن بقيم ولا يتحلي بخلق إنطلاقا من هذه الآية وغيرها من الآيات التي تدعو إلى السلام وبذل كل جهد لرقي العالم وتحضره بدلا من تدميره وتأخره هو يأمر المؤمنين بالوفاء بالعهود لكل من عاهدوه من بني آدم، كما نهاهم عن نقض الأيمان المؤكدة حيال هذه القضية وغيرها فقال تعالي:  وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون . ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربي من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون .( ).

فالإسلام لا يعرف الغدر ولا نقض العهود والمواثيق لأن القرآن الكريم جرم من كان هذا سلوكه . وكذا السنة النبوية . يقول عبد الله بن عمر  إني سمعت رسول الله  يقول  إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، فيقال : هذه غدرة فلان .( ). وروي الإمام أحمد بسنده عن حذيفة قال : سمعت رسول الله  يقول  من شرط لأخيه ، لا يريد أن يفي له به ، فهو كالمدلي جاره إلى غير منعة .( ).

لغير المسلم مقاضاة حاكم المسلمين :-

إنطلاقا من نصوص القرآن الكريم أمر حكام المسلمين وقضاتهم بالعدل بين الرعية وإن كانوا على غير دين الإسلام . لأن ذلك أقرب إلى رضا الله ومحبته . قال تعالي:  يا أيها آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى إن الله خبير بما تعملون .( ). ففي الآية خطاب للمؤمنين ونداء للحكام وأمرلأهل الإسلام بإقامة العدل

اتباعا لأمر الله وتنفيذا لهذا التكليف الذي يتناول البشرية كلها لا المسلمين فقط ، شريطة أن يكون هذا التكليف تنفيذا ً لأمر الله تعالى لا لرياء ولا سمعة ولهذا قال تعالى " شهداء لله " ثم أخذت الآية فى التأكيد على العدل مع الذين لا يدينون بديننا ولا يؤمنون بعقيدتنا فقالت ولا يحملنكم أيها المؤمنون أختلاف الدين أو المنهج على ترك العدل مع من يباينكم عقيدة ومنهاجا فاعدلوا واستعملوا هذه القيمة مع كل الناس ، لان ذلك أقرب إلى تقوي الله الذي بيده ملكوت كل شئ هذا . والعدل : اسم من أسماء الله تعالى أي : البالغ فى العدل . الذي لا يظلم أحداً قال تعالي:  ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد.( ).

والعدل : مأخوذ من الاعتدال ، وهو الاستواء ، ويقع صفة للحكم والحاكم معا ، فيقال : حاكم عدل ، وحكم عدل .

قال تعالي: مادحا العادلين  وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.( ). ومن هذا المنطلق فعل النبي وأصحابه هذه النصوص القرآنية وطبقوها على كل مخلوق على ظهر الأرض دون نظر إلى دين أولون أو حاكم أو محكوم . حتي أولئك الذين يعبدون الأوثان والأصنام . لا نعرض لامتهان أو سب ما يعبدون من دون الله عز وجل يقول بعض الباحثين : بعد أن أعلن القرآن الكريم أن لكل إنسان منهجا وشريعة وأنه لا يكره أحداً على الإسلام ، وبعد أن أعلن النبي  للكفار أن لهم دينهم يعبدون ما يشاءون ، وللمسلمين دينهم الذي ينبغي أن تكون لهم حرية ممارسته . يعلن القرآن فى إحدي آياته التي ينبغي أن يقف التاريخ أمامها طويلاً ، وأن تتأملها العقول السليمة الباحثة عن العظمة والمدنية والتحضر، وإليك أيها القارئ الكريم هذه الآية يقول تعالى :  ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون .( ). .

فالله تعالى يخاطب المسلمين ويطالبهم بعدم سب آلهة المشركين وهي آلهة زائفة وأصنام لا تنفع ولا تضر . ومع ذلك يطالبهم باحترام عقائد الآخرين وإن كانت باطلة ويمنعهم من التعرض لآلهتهم الفاسدة التي صنعتها أيديهم ، والتي يعبدونها من دون الله أو مع الله ، ومع ذلك يراعي مشاعرهم . أى عظمة هذه وترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور !! وربما يدور فى ذهن البعض أن الإسلام يمنع المسلمين من سب آلهة الكفار حتي لا يسبوا الله عز وجل ، كما تشير الآية . وهذا صحيح ، ولكن فى الآية أيضا يمكننا أن نلحظ أن الله تعالى يوضح للمسلمين أن عقائد الناس وإن كانت باطلة ، يجب ألا تمتهن ، لأن هذه العقائد لها من القداسة فى النفوس ما لها ، والتعرض لهذه العقائد ولو كانت فاسدة ، سوف يزيد العداوة بين البشر ، وهذه ما لا يريده الله تعالى ومن ثم فقد دعانا ربنا تعالى للمحافظة على مشاعر الآخرين . وأيضا فإن الله يأمرنا بهذا ليدعونا إلى الترفع عن الدنايا ، فلا يليق بالمسلم أن يدخل فى مهاترات من هذا النوع مع غير المسلمين ومحاولة النيل من معتقداتهم . وقد التزم المسلمون بهذا المنهج التزاما صارما علي مدي تاريخهم ، فلم يرصد التاريخ خرقا لهذا الالتزام من قبل المسلمين ، فلم ينزلق المسلمون يوما إلى الهجوم على عقائد الآخرين أو مقدساتهم ، والقرآن والسنة والتاريخ الصادق خير شاهد على ما نقول.( ).

نصراني يقاضي الرشيد أمير المؤمنين:-

تحت هذا العنوان ذكر الكوثري ما يلي :-

قال أبو يوسف القاضي فى مرضه الذي مات فيه : والله ما زنيت قط ، والله ما جرت فى حكم قط ، وما أخاف على نفسي إلا من شئ كان مني ، فقيل له ما هو؟ قال : كان هارون الرشيد يأمرني أن آخذ قصص الناس فأقرأها ثم أوقع لهم فيها بمحضره، فكنت آخذها قبل ذلك بيوم فأتصفحها ، فجمعتها مرة فتصفحتها ، فإذا فيها قصة نصراني يتظلم من هارون أمير المؤمنين فى ضيعة فى يده يزعم أنه غصبه إياها ، فدعوته فقلت : هذه الضيعة فى يد من هي ؟ قال: في يد أمير المؤمنين . قلت : فمن يجمع غلاتها؟ قال : أمير المؤمنين . وجعلت كلما أردت أن يذكر خصما غير أمير المؤمنين ، رد الخصومة فيها إلى أمير المؤمنين . فجعلت قصته مع قصص الناس ، فلما كان يوم المجلس جعلت أدعو بالناس رجلا رجلا حتى وقعت قصة النصراني بيدي فدعوته،فـدخـل، فقرأت قصته على أمير المؤمنين : فقال: هذه الضيعة لنا ، ورثناها عن المنصور، فقلت للنصراني : قد سمعت الذي قال أمير المؤمنين . أفلك بينة على ما تدعي ؟ قال : لا ، ولكن خذلى بيمينه – أى يقسم أمير المؤمنين على أنها ملكه – فقلت لأمير المؤمنين : أتحلف يا أمير المؤمنين على ذلك ؟ قال : نعم .فحلف ، فانصرف النصراني. قال أبو يوسف : فما أخاف على نفسي إلا من هذا . فقيل له : وأي خوف فى هذا وقد فعلت الذي فعلت ؟ فقال : من تركي أن أقعد أمير المؤمنين مع النصراني فى مجلس الخصم .( ).

وسابع تلك الكلمات المحكمات العشر( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم).

يقول الشوكاني رحمه الله (لنا أعمالنا) أي : ثوابها وعقابها خاص بنا ( ولكم أعمالكم ) أى : ثوابها وعقابها خاص بكم .( ).

أي : أن كل ما يصدر من الناس جميعا عند الله مقيد فى كتاب خاص لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها كما قال تعالى : ووضع الكتاب فتري المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحداً .( ). .

فهذه النصوص تهدي الحياري وتجرهم جراً لعبادة الله وحده وتدعم العقل وتهديه إلى فعل الخير وصنع المعروف مع كل آدمي، مهما كان دينه أو لونه فعقل بلا توفيق صاحبه من الرقيق وإنسان بلا تدقيق حيوان حليق، لا أقول حليق الشعر . بل قد جرد من اختيار الرفيق الذي يدفعه إلى اختيار الصدق مهما كان عمله وعقيدته فإن هذا العمل بالشرائع السماوية أمر وثيق ،يفرح الأنبياء والمرسلين وكل صديق . يقول بعض الشعراء الحكماء :-

لا يستقل العقل دون هداية

بالوحي تأصيلا ولا تفصيلا

كالطـرف ليـس بمـــدرك

حتـى يـراه بكـرة وأصيلا

نـور النبوة مثل نور الشمس

للعين البصيرة فاتـخذه دليلاً

فإذا النبـوة لم ينلك ضياؤها

فالعقل لا يهديك قطـ سبيلاً

طرق الهدي محدودة إلا على

من أم هذا الوحي والتنزيلا

فإذا عدلت عن الطريق تعمداً

فاعلم بأنك ما أردت وصولا

يا طالبا درك الهدي بالعقل

دون النقل لن تلقي لذاك دليلا.( ). .

ونهاية القول فى هذا النجم من الآية أن الله تعالى أمر رسوله  أن يقول لمن يباينه عقيدة ومنهجا: قل يا رسولنا لمن يخالفونك : من الذي ينعم عليكم بهذه النعم المنزلة من السماء مطراً على الأرض فتصبح الأرض مخضرة، والباعث فيها شمسا وقمراً لإنارة دنياكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وتهتدوا بذلك النور ليلاً ونهاراً، وتستخرجوا من الأرض معادن تفيدكم فى حلكم وترحالكم، ثم أمر الله رسوله  أن يقول لهم "قل الله" الذي يفعل ذلك ويسوقه رحمة بكم وبكل كائن. ومع ذلك الوضوح الذي لا ينكره إلا مكابر فالنبي مأمور بأن يقول لمخالفيه بعد سوق الأدله على صدقه: فإننا لعلي هدي أو فى ضلال مبين، وإنكم لعلي هدي أوفي ضلال مبين، ثم قال له  : قل يا رسولنا لهؤلاء الذين لا يؤمنون بك ولا بنا : لا تسألون عن أعمالنا ولا نسأل عن أعمالكم فكل مجزي بعمله إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.

فقال تعالى :  قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أوإياكم لعلي هدي أوفى ضلال مبين . قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعلمون .( ). .

وثامن تلك الكلمات المحكمات العشر.( لا حجة بيننا وبينكم).

أى : لا خصومة بين نبي الإسلام والبشرية بل قد جاءهم بالرحمة والعدل والإنصاف ونادي  :البشرية بأمر الله له قائلا:  قل يا ايها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون .( ). من العجب العجاب بعد سوقي لكل هذه النصوص التي تدعو إلى المحبة والوئام بين أبناء الشرائع السماوية لينقلوها إلى عباد الأشجار والأحجار ليهتدوا بها، أن نري الصراع اليوم على أشده بين أتباع الأديان السماوية تاركين غيرهم يبني ويشيد الحضارات دون صراع أو حروب ورسول الإنسانية يقول لهم : إني أيها الناس مأمور بأن أقول لكم : إني رسول ملك الملوك وعلام الغيوب ومالك العالم العلوي ومن فيه والعالم الأرضي وما عليه ومن ثم فلا معبود بحق سواه ، لأنه حي لا يموت بل بيده الإماتة والإحياء والبعث والنشور ، وأنا ما جئتكم بشئ غريب على أصحاب العقول السليمة ، بل جئتكم بالإيمان بالله ورسله والإصلاح والتعمير لهذا الكون الذي ما خلقه الله عبثا بل خلقه لما فيه مصالحكم ، فآمنوا أيها الناس بهذا النبي الموحي إليه من الله العلي بالإيمان بالله وبالوحي المنزل على من سبق من الأنبياء واتبعوه فيما جاء به من وحي لعلكم تفوزون وترشدون دنيا وأخري.

وهنا يعقب القرآن على من عمل صالحا واتبع سبيل الرشد فيذكر أن من قوم موسي أمة مخالفة لمن اتبع هواه وسار فى طريق الغي دون استعمال العقل أو إيمان بوحي فيقول :  ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون .( ). .

فهذا النص ينصف من يستحق الإنصاف من الأمم السابقة دون تصفية حسابات أو تتطع يدعو إلى التدابر وبث الأحقاد فى المجتمعات ثم عمم الله الحكم وقال : إن هذا الكون الذي خلقته بكلمة " كن " فيه البعض من خلقي لا يترك الحق واتباعه قيد أنملة ولا يظلمون الناس نقيراً بل هم داعون الناس إلى الحق وبه يعدلون فى كل القضايا فكونوا مثلهم أيها الناس وإياكم والظلم حتي لا تتقطع الأوصال وحتي يتجنب العالم غضب الله الواحد الديان. قال تعالى :  وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون .( ).

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية ، قال : بلغنا أن نبي الله  : كان يقول  إذا قرأها هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها :" ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.( ). وعن ابن جريج فى قوله :  وممن خلقنا أمة يهدون بالحق  قال : ذكر لنا أن النبي  : قال : هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويعطون.( ).

إذاً فلا خصومة بين شرائع السماء وإنما الخصومة بين أولئك الأفاكين الذين لا يفهمون شيئا غير ما يملي عليهم من الأباطيل ، ويمنون به من الأماني الكاذبة والوعود البراقة بمنصب زائل أو كرسي بعد فترة سيكون هالكا هو ومن عليه ، لأن هؤلاء وأولئك ضيقوا الأفق منكوسوا الفطرة معدوموا الثقافة وإليك بعض الأمثلة على ذلك الهراء الذي يقوم به ضيقوا الأفق ومفرقوا الأمة مع كتاب مؤلفه ضيق الأفق :-

اسم الكتاب : ( الطـريق إلى الجماعة الأم )

اسم المؤلف: ( عثمـان عبد السـلام نوح )

طبعتـــه: ( دار المنار للنشر – الرياض ) .

أقول : عنوان الكتاب جميل ، يفهم القارئ منه لأول وهلة دعوة المسلمين إلى الاقتداء بالسلف الصالح ، والتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة إلا أنني عندما تصفحت الكتاب ، وجدت فيه العجب العجاب حيث تري المؤلف – هداه الله- قد قام بتجريج وتكفير كثير من علماء الإسلام بل والمجاهدين الذين وقفوا ضد الشيوعية يحاربونها فى أفغانستان أربع عشرة سنة تحت راية الجهاد فى سبيل الله . ومع ذلك لم يسلم هؤلاء وأؤلئك من لسانه الحاد وأفقه الضيق.

فتراه يصف الجميع بالشرك ، ويسم الشيخ محمد الغزالى بأقذر الألفاظ وأحط الأساليب . ويصف مسجد السيدة زينب  بأنه أكبر مكان للشرك ومن ظنه السيئ بعلماء مصر ، يتهمهم بأنهم قبوريون يعبدون من فى القبور ، ويقدمون لهم القرابين ، ويتمسحون بأعتابهم وعلى الرغم من رميه لمعظم علماء المسلمين ووصفهم بالشرك والتعصب نراه يتناقض مع نفسه، فيرد على الدكتور : عبد الله عزام عدو الشيوعية يرد عليه ثناءه على بعض فرق المجاهدين الأفغان ويقول له في صفحة 138 كان عليه أن يدعو إلى عقيدة السلف، لأنها محل اتفاق الجميع، وخاصة بين مجاهدي العرب ، لأن الثناء على جماعة بعينها وتنقيص غيرها يؤدي إلى تفكيك الصفوف . ... الخ ما قال.

والحق الذي لأمراء فيه أنك بهذا الكتاب ، مزقت الصفوف وفرقت الأمة ، ووزعت أوصافك الظالمة على الموحدين فكفرت من أحببت وشركت من أردت ، فأية صفوف تتحدث عنها وقد شككت عوام المسلمين في عقيدتهم ، ووصفتهم وعلماءهم بأنهم عباد قبور ، علما بأن هؤلاء أعلم منك بربهم وخالقهم عز وجل وفطرتهم أنقي منك وأطهر ، لأنهم يعلمون أن المعبود بحق هو الله الذي يحبونه حبا ملك عليهم مشاعرهم واستحوذ على كل حواسهم حتي أصبحوا لا يرون سواه ، ولا يناجون إلا إياه ، وما حبهم للصالحين وآل بيت الحبيب سيدنا محمد  :إلا دليل على وفائهم وحبهم لهذا الرسول العظيم الذي جاءنا بهذه الرسالة بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك ولا ينتظم فى سلكها وتحت لوائها إلا سالك.

ولقد زدت الطين بلة . وبدت البغضاء من فمك وما يخفيه قلبك أكبر . وظهرت المداهنه لمن يدفع لك أكثر . وذلك حين وصفت الموالين للكفار بالكفر الأكبر .ولم تتفوه إلا بذكر مصر وحكامها وعلمائها . لكن أرباب نعمتك والذين روجوا لكتابك هذا حتي اقتناه الناس من بدو وحضر، وما أستطعت ولن تستطيع الحديث عنهم بكلمة تذكرلك فلا تشكر ، بل لو قلت ما يتعارض وسياساتهم تعذب وتنكر.

سيدي : ورغم أن موالاة الأعداء من الكفار – كما نقول – هو سمة كل المجتمعات الإسلامية لا مصر وحدها ، فإن مصر التي تذكرها اسما ورسما هي التي تحملت النصيب الأكبر من قضايا العرب والمسلمين . ومع ذلك فهي وحدها المستهدفة من أبنائها وأعدائها على سواء . فاتق الله يا رجل ، واعلم أن الحق أحق أن يتبع ، وأن الدنيا لا تغني عن الآخرة يقول المؤلف هداه الله : إن الأستاذ / حامد أبو النصر- مرشد الإخوان الأسبق- قال : ( لا نستطيع القتال مع الأفغان لأن ولى الأمر يمنعني ) ثم يرد هذا المؤلف الأحمق على هذا التصريح رداً منكراً ، يصف فيه حكام مصر بالإلحاد والكفر. فيقول : وأما مستند مرشد الإخوان في مصر في عدم المشاركة بالنفس ، فهو أعجب من العجب ، إذ يري ضرورة الاستئذان من حكام مصر ، مع أن الذين يقاتلهم المجاهدون مثلهم !!! اتق الله يا جاهل في حكمك على الناس ، واعلم بأن مصر حكاما وشعبا وأزهراً هي التي حافظت على الإسلام أكثر من ألف عام ، وما حاولت يوما النيل من الإسلام ، أو التقليل من شأنه وما حرب رمضان السادس من أكتوبر 1973م. ببعيدة عنك وعن أمثالك ، حيث كان أبناء مصر المسلمون والمسيحيون على خطوط النار ضاربين المثل الرفيع في البطولة والفداء لتأمينك أنت ومن يهاجم كنانة الله في أرضه دون من منا على أحد ولكنها الحقيقة الواضحة والشمس المضيئة التي ينكر ضوءها من فقد الإبصار ، وكل ليل لا بد له يا أخي من نهار.

وختاما لهذا النجم من الآية أقول لمن يتناول العلماء أو غيرهم من الناس بالسباب وفتح أبواب الفتنة في المجتمعات:

أولا : إن الأزهر يقوم على الوسطية التي نادي بها القرآن والسنة ولا يدعو إلى تقديس الأشخاص ، أو السكوت عن قول الحق بل يدعو علماؤه إلى المنهج الصحيح في بيان الحق دون انتهاك لمقدسات الآخر ، أو التعرض للعلماء بانتهاك أعراضهم ، فلا إفراط ولا تفريط

ثانيا : لكل إنسان في العالم عقيدته ومنهجه ، ومن ثم فباب العقيدة مصان في الإسلام حيث إنه يطالب أتباعه بعدم سب أو جدال الآخر في عقيدته التي يعتقدها ، كما يجب على الآخر أن ينهج هذا المنهج وينسبح على نفس المنوال حتي تغلق طرق الفتن المفتحة من هنا وهناك للمساس والإساءة إلى العقائد ، حتى يتم لأعداء الأمة ما يريدون من فرض أفكارهم وعاداتهم التي لا تتفق وما نحن عليه من مبادئ ومثل وذلك تحت راية . قوله تعالي (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلهاكم واحد ونحن له مسلمون ).( ).

ثالثا : إن مسائل الاجتهاد يسوغ فيها الخلاف ، ولقد وقع الخلاف بين الصحابة فى فهم قول الرسول  الذي رواه البخاري (( لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بني قريظة )) ووقع الخلاف بينهم بعد وفاة الرسول  ولكن لم يؤد هذا الخلاف إلى الفتنة والطعن فى الأعراض ومن ثم فلا يجب أن نضيق على أنفسنا بل يجب ان تتسع صدورنا للخلاف في المسائل الاجتهادية .

ومن هذا المنطلق فلا يجب بحال أن نمس العقائد أو نسيء إلى الآخر فيما يعتقد.

يقول الدكتور/ محمد الزحيلي : كفل الإسلام لغير المسلمين حرية العبادة التي تتفق مع عقيدتهم ، وأمر بالمحافظة على كنائسهم وصوامعهم وبيعهم وصلواتهم وحرم على المسلمين الاعتداء على هذه الدور أو تخريبها فى حالتي السلم والحرب . ودليل ذلك تلك الوثائق التاريخية التي تحمل بين طياتها وصايا الخلفاء الراشدين لقادة الجيوش باحترام دور العبادة ولا أدل على ذلك من فعل الفاروق عمر بن الخطاب حيال كنيسة القيامة واحترام رهبانها ناهيك عما يجري في مصر خصوصا تجاه الكنائس والأديرة من تعمير .( ).

رابعا : - أقول للمتصدرين للدعوة . وحدوا الفتوى واقرؤوا القرآن والسنة قراءة علمية روحية مجردة من السياسة والهوى وإرادة المصلحة الذاتية ووقروا العلماء واحترموهم، كما أمرنا الله ورسوله، ولا يعتقد من قرأ مرجعا أو مرجعين أنه حبر الأمة وعالمها الجليل الذي لا يخطئ له دليل يقول أحد الحكماء :-

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما

إن عبت منهـم أموراً أنت تأتيها

وأعظـم الإثم بعد الشرك نعلمه

فى كل نفس عماها عن مساويها

عرفتها بعيوب النـاس تبصرها

منهم ولا تبصر العيب الذي فيهـا

الجملتان المحكمتان الأخيرتان من آية الشوري : "" الله يجمع بيننا وإليه المصير"" والمعني العام للجملتين الكريمتين : إذا كان الأمر كذلك أيها الناس فأنتم على شرائعكم والمسلمون على شريعتهم ، ويوم القيامة يفصل الله بين الجميع فيما قدموه من أعمال وما اعتقدوه من عقائد لأن المرجع والمآل إليه . وذلك ما جاء منصوصا عليه فى عدة آيات من القرآن الكريم منها .

قوله تعالى :  وكل إنسان ألزمنا طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا . من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا.( ).

وختاما لهذا الموضوع أقول ما قاله علماء الأزهر الثقات : هذا هو الإسلام إحسان الى الإنسان أيا كان دينه، ونهي عن الفساد أيا كان القائم به والذين ينادون بالعلمانية والتقريب بحجة صيانة الدين بإبعاده عن مستنقع السياسة وأساليبها ، هم فى الحقيقة يستبعدون دور الدين فى حياة الفرد والجماعة ، علما بأن العلماء والأمراء يأخذون جل مبادئهم من الشريعة الإسلامية وبقية شرائع السماء . سواء أكان هؤلاء المسئولون قدامي أم معاصرين . وإليك حديث رأس الدولة المصرية فى هذا المضمار.

أولا :- كلمة الرئيس مبارك فى مؤتمر "" مقدمات الأمن المجتمعي فى الإسلام والتي ألقاها نيابة عن سيادته السيد الدكتور رئيس الوزراء ونشرته مجلة قضايا إسلامية فى العدد 158 – القاهرة 1429-2008م.

بسم الله الرحمن الرحيم " ضيوف مصر الأعزاء – الإخوة والأخوات – مرحبا بكم فى مصر – بلد الأزهر الشريف منارة العلوم والحضارة الإسلامية – ومصدر إشعاعها على العالم أجمع. ودعاء إلى المولي سبحانه أن يحفظ الله أرض الكنانة وسائر بلاد العالم الإسلامي وأن يكلل مسعاكم بالتوفيق ويكتب لمؤتمركم النجاح.ويشرفني أن ألقي عليكم كلمة السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية بمناسبة انعقاد هذا المؤتمر العالمي العام: السيدات والسادة أعضاء المؤتمر :

يسرني أن أرحب بكم ضيوفا أعزاء على أرض مصر التي شرفها الله فى القرآن الكريم ، بأن جعلها بلداً آمنا فى محكم كتابه :  أدخلوا مصر إن شآء الله ءامنين .( ).

لقد كانت قضية الأمن ولا تزال ، قضية تشغل العالم كله وخاصة فى عالمنا المعاصر الذي تتهدده المخاطر وينتشر فيه الإرهاب فى كل مكان ومن المفهوم أن الأمن المجتمعي مفهوم متعدد الجوانب التي تشمل كل مناحي الحياة وتشكل فى مجموعها منظومة أمنية مجتمعية متكاملة تعد بالنسبة للأفراد والجماعات ضرورة حياتيه، لا تستقيم الحياة بدونها ، كما تعد فى الوقت ذاته بمثابة ضمانات وقائية فى مواجهة مخاوف حقيقية وأخطار لا يمكن تجاهلها .

ولا شك فى أن مجتمعاتنا الإسلامية التي تحاول اللحاق بركب العصر وتتطلع إلى مستقبل مشرق لشعوبها تجد نفسها فى أشد الحاجة إلى تحقيق برامج تنموية شاملة على جميع المستويات تضمن لشعوب هذه الأمة التقدم والأزدهار ..... ثم يقول الرئيس: وإذا كانت التنمية الشاملة فى المجتمع الإسلامي تتوقف على توفير الأمن بمفهومه الشامل لهذه المجتمعات ، فإن سلامة العلاقات بين شعوب العالم الإسلامي وبقية شعوب العالم ترتبط أيضا ارتباطا وثيقا بتحقيق الأمن المجتمعي فى عالمنا الإسلامي ولا جدال فى أن هناك العديد من المعوقات الداخلية والخارجية التي تقف عقبة فى طريق الأمة الإسلامية نحو تطوير مجتمعاتها وتنمية شعوبها وتصحيح علاقاتها بغيرها من الأمم ، وأخطر العقبات الداخلية فى عصرنا الحاضر يتمثل فى الفهم الضيق والتفسير الخاطئ لتعاليم الإسلام من جانب بعض التيارات المتطرفه ، هذا الفهم الذي يحاول أن يشد عالمنا الإسلامي إلى الوراء ، ولا يريد أن يواكب العصر الذي نعيش فيه .

وقد كان لهذا الفهم الضيق والتفسير الخاطئ لتعاليم الإسلام وتداعياته داخليا وخارجيا ، أثر سلبي انعكس على صورة الإسلام فى الخارج فكان هذا الخلط الظالم فى الإعلام الدولي بين تعاليم الإسلام وبعض التصرفات المحسوبة عليه التي تصدر من قلة من المسلمين لا يمثلون مجتمعاتهم بأي حال من الأحوال ...ثم يقول السيد الرئيس وحتي يمكن توفير الأمن للمجتمعات الإسلامية فإن علينا أن نتعاون من أجل تحقيق الأهداف التالية .

1- التصدي لمظاهر التطرف والتعصب والإرهاب التي أساءت للإسلام ، وشوهت صورته ، وأعاقت تطوير وتقدم المجتمعات الإسلامية.

2- العمل على نشر قيم التسامح والتراحم والتكافل فى المجتمع عن طريق التوعية الصحيحة ، والفهم السليم لحقائق الإسلام وصحيح تعاليمه وهذا يتطلب إعادة النظر فى الخطاب الديني بما يتفق وروح العصر. فالإسلام دين للحياة بجميع أبعادها يحض على العمل والإنتاج والبناء والتعمير والارتقاء بالإنسان على مختلف المستويات المادية والروحية .

3- الارتقاء بالعلم والتعليم واللحاق بركب العصر ومواكبة متغيراته المتسارعه وترسيخ القيم الدافعة إلى تقدم المجتمع .

4- تمكين العقل من أداء دوره الفاعل فى التعبير والتطوير للمجتمعات الإسلامية ، وهذا يتطلب إعادة النظر فى المناهج والبرامج التعليمية والتربوية والعمل على تكوين العقلية الناقدة الواعية بما يدور فى عالمها ، والتشجيع على الإبداع والابتكار والانفتاح على العالم من حولنا.

5- العمل على تحقيق التكامل وتعزيز العمل المشترك بين بلاد العالم الإسلامي التي لديها جميع المقومات التي تساعدها على تحقيق هذه الأهداف إذا أحسنت توظيفها وقامت باستثمار كل إمكانياتها المادية والروحية من أجل توفير الأمن المجتمعي لشعوبها .

ولا شك فى أن الفهم الصحيح الواعي بتعاليم الإسلام من شأنه أن يدفع المسلمين إلى أن يعيشوا عصرهم وألا يتخلفوا عن مواكبة تطورات القرن الحادي والعشرين على كل المستويات العلمية والتكنولوجية، فعصرنا لم يعد فيه مكان لمن يعجز عن ملاحقة منجزاته وإيقاع حركته .

إن مسئولية علماء الأمة ومفكريها فى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها ، إنما تتمثل فى تطوير ثقافة الأمة ونشر الوعي والتنوير فى أرجائها .
أيهـا العـلمـاء الأجـلاء.

إنكم تمثلون صفوة الأمة التي تتحمل مسئولية هذه التوعية السليمة بتعاليم الإسلام الداعية إلى الوسطية والاعتدال والتسامح ونشر العلم والانفتاح على الحياة ....

ثانيا : كلمة الإمام الراحل فضيلة الإمام الاكبر أ.د/ محمد سيد طنطاوي رحمه الله .... الأمن والأمان والاطمئنان من الألفاظ التي تدل على الاستقرار النفسي . وقد وردت هذه الألفاظ عشرات المرات فى القرآن والسنة ، ومن أوصاف أول بيت وضع للناس بمكة أن من دخله كان آمنا . قال تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا.... . ( ) ولقد تضرع سيدنا إبراهيم إلى الله تعالي أن يجعل هذا البيت آمنا مرزوقا أهله قال تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر...... . ( ) إذا لماذا اختار سيدنا إبراهيم نعمة الأمن ؟ اختارها لأنها إذا ما ظللت أمة من الأمم يأتيها الخير والرخاء والقوة . يقول الإمام الرازي : إن نعمة الأمن فى الأمة وفي الفرد أهم من نعمة الصحة ، ثم ضرب مثالا جميلا فقال : لو كانت عندك شاة مريضة بجوارك وقدمت إليها الطعام لأكلت منها مع مرضها على قدر حاجتها ثم نامت فى أمن واطمئنان ، ولو جئت بشاة فى غاية القوة والصحة وإلى جوارها ربطت حيوانا مفترسا ، ما استطاعت أن تأكل ، وإن أكلت ستأكل باضطراب وخوف وفزع . وبعد أن ساق هذا المثل قال : فأنا أومن بأن نعمة الأمن بالنسبة للإنسان أهم من نعمة الصحة ، لأن الإنسان إذا كان آمنا على بدنه وعلى نفسه ورزقه استطاع أن ينتج وأن يتحرك وأن يعمل وأما إذا كان خائفا، فإنه تضطرب حياته ولا يستطيع أن يعمر أو ينتج وإن أنتج أنتج شيئا قليلا ، لأن الخوف منعه أن يواصل العمل . ولقد أنعم الله على جيش بدر بنعمة النعاس فقال تعالى إذا يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به.... . ( ) فقبل أن تبدأ المعركة ساق الله تعالى النعاس للمؤمنين لكي ترتاح أبدانهم ولكي يكون أمانا لهم ، والخائف لا ينام .

فنعمة الأمان يعطيها الله تعالى للمؤمنين الصادقين يوم القيامة قال تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار.... . ( ) نعمة الأمان هي التي اختارها سيدنا يوسف لأبيه وإخوته عندما استقبلهم على مشارف مصر :فقال تعالى فلما دخلوا على يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ....( ) ووعد الله المؤمنين الصادقين بالتمكين فى الأرض والأمن والأمان  وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بى شيئا ( ). نعمة الأمان هي نعمة النعم وهي وليدة العدل – الأمة التي ينتشر فيها العدل ، وينتشر فيه الخير ويكثر فيها عدد العقلاء الذين يصلحون ولا يفسدون . الذين يعملون ولا يخربون . الذين يبنون ولا يهدمون . الذين يتعاونون على البر والتقوى لاعلى الإثم والعدوان . هذه الأمة التي يكثر فيها عدد الذين يتمسكون بفضيلة العدل لا بد أن تنمو فيها نعمة الأمن والخير لأن نعمة الأمن وليدة العدل .

عندما تنتشر فى الأمة العدالة والأخوة الصادقة ويكثر عدد العقلاء الذين يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم والذين يحرصون على سعادة أمتهم وعلى كل ما هو خير ، عندما يكثر هؤلاء يأتي الأمان والاطمئنان وهناك سنة كونية لا تتبدل ولا تتغير :  فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره( ).ويقول ابن تيمية رحمه الله : إن الله يقيم الدولة غير المسلمة مع العدل ولا يقيم الدولة المسلمة مع الظلم .
ثالثا : كلمة قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعا ..أحييكم يا إخوتي علماء المسلمين أصحاب الفضيلة من كل البلاد الإسلامية .... أخي صاحب الفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر... أشكر أ.د/ وزير الأوقاف على دعوتنا لهذا المؤتمر لنستمع إليكم ونتحدث إليكم وأشكر إخواني ممثلي الدول الإسلامية .

الأمن المجتمعي : هو أمن الفرد والجماعات ، والهيئات الموجودة فى المجتمع من أجل أن يعمل شعب كل بلدة قائلة  رب اجعل هذا البلد آمنا( ).وكأن السماء تستمع إلى هذا الأمر فتقول لجميع الشعوب من جهة بلدها  ادخلوها بسلام آمنين( ). إذا لم يوجد أمن ينحل المجتمع ويصبح كالغابة القوي فيه يأكل الضعيف وأعضاء المجتمع حينذاك يسودهم الخوف والقلق وقد يؤدي ذلك إلى الإحباط والتذمر .. ومن أجل أهمية الأمن وجدت إدارات للأمن فى كل بلد ووجدت القوانين والقضاء والشرطة ... وحفظ الأمن كما هو واجب الدولة ، هو واجب علماء الدين ورجاله بما ينشرونه من التوعيه والإرشاد ومن هنا تنتشر المحبة ، والسلام بين الجميع . ..الخ ما قال نيافته من كلام طيب يدل على عمق علمه وسموق قامته ووطنيته التي لا يشكك فيها عاقل.

والسبب فى نقلي لهذه الخطب نراه واضحا فى النقاط الآتية .

1- أن الإسلام لا يضيق صدره من أحد ويقر مبدأ المحاورات فى الأمور المشتركة بين الشرائع لنصنع الخير وننشر المحبة بين العالم لكن العقائد لا نقاش فيها ومن ثم فلا محاورة بشأنها لا أهل الكتاب على استعدادلها ولا المسلمون الذين ذكر كتابهم أن لكل إنسان عقيدته .

2- رأس الدولة المصرية هو رئيس للجميع وهو رجل فاهم لعقائد الناس والكل عنده وتحت الدستور سواء فلا فرق بين مسلم وكتابي إنطلاقا من قول الله تعالى  إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيراً( ). وانطلاقا من قول الله تعالى لرسوله :

وأمره بالعدالة مع اليهود المسالمين .  فإن جآءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين( ).

يقول الدكتور/ محمد المختار المهدي : وقد طبق صحابة الرسول  : ذلك على أنفسهم ، فها هو ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه يصدر منشوراً إلى الناس يقول فيه (( إني لم أبعث عمالي ليضربوا جلودكم ولا ليأخذوا أموالكم ، فمن فعل ذلك فليرفعه إلى لنقتص منه)) فقال :" عمرو بن العاص لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقتص منه؟ وقد رايت رسول الله  :يقص من نفسه ( ).

3- شيخ الأزهر الراحل أ.د/ محمد سيد طنطاوي أمطر الله عليه سحائب الرحمة والمغفرة عالم عادل يحفظ القرآن الكريم ويعلم مراميه ودافع عن الوحدة الوطنية داخل مصر ودعا إلى السلام العالمي من خلال دعوة الوسطية التي نادي بها الإسلام وكذلك خلفه الإمام الأكبر أ.د/ أحمد محمد الطيب الرجل الغيور على كرامة الإنسان والمدافع عن عزته والذى نشأ وتربي على مائدة الإسلام الذي تعلمه سلوكا على يد الشيخ الوالد ومن هنا ربي أجيالا على المحافظة على كرامة الإنسان أيا كان موقعه ودينه.

صور من تسامح المسيحيين : - وحبهم لقادة المسلمين والإسلام:

أولا: الدكتور/ نظمي لوقا المسيحي الديانة المصري المولد الذي كان محبا للإسلام منصفا مما علق به ممن لم يقرأه ، وكان رحمه الله قد حفظ القرآن وعمره عشرة أعوام . وقال : إنني أكتب ما أكتب من أجل الإنصاف على الرغم من كوني مسيحيا.

يقول رحمه الله تحت عنوان – إياكم والغلو فى محمد  لا تأليه ولا شبهة تأليف فى معني النبوة الإسلامية ، وقد درجت شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد ، فكان الرسل أيضا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب ، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا فى الرسول أو النبي أنه ليس بشراً كسائر البشر، وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء ، ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواتراً مكرراً فى آيات القرآن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر  قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلى ( ). وفي تخير كلمة (مثلكم) معني مقصود به التسوية المطلقه ، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوي البشرية بحال من الأحوال ، بل نجد ما هو أصرح من هذا المعني فى قوله تعالى فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ( ). وظاهر فى هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه  إلى حقيقة مهمته وحدود رسالته التي كلف بها وليس له أن يعدوها ، كما انه ليس للناس أن يرفعوه عنها.
وصف دقيق لشمائل الرسول عند الدكتور : نظمي لوقا:

يقول: رجل فرد هو لسان السماء ، فوقه الله لا سواه ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين ، ولكن هذا الرجل يأبي أن يداخله من ذلك كبر بل يشفق بل يفرق بين ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته قبل أن يحاربه فى سرائر تابعيه، ولو أن هذا الرسول  بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي وما استقام له من السلطان ( ). لو اعتد بذلك واعتد واعتز ، لما كان عليه جناح من أحد ، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثله ، ويعتز بمزية طائله ، يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمونه عنه فيقول لهم "" لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون فينهاهم عن ذلك قائلا : "" لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا .( ).
ثانيا : شهادة الدكتور / نبيل لوقا بباوي –

التقيت بهذا الرجل فى مدينة قنا بدعوة من اللواء مجدي ايوب محافظ قنا – ذلك الرجل المهذب والمستقيم خلقا وخلقا حكي لي أنه يمر بالليل على الطلاب الذين يذاكرون دروسهم فى الشارع فيدعولهم ثم كثف لهم الإنارة والمقاعد المريحة فى الشوراع وكنت معه فكان يسأل الطلاب عن أحوالهم ويلبي لهم كل طلباتهم وأعطائي مبلغ مائة ألف جنيه لكلية الدراسات الإسلامية والعربية الأزهرية ليتصرفوا فيها كما يريدون لصالح الطلاب فشكر الله له والتقيت بالدكتور نبيل بالليل وحدثني عن كتبه التي أهدانيها فى النهاية فرأيت فيها رجلا مجرداً من الهوي والغرض ويقول قولة الحق بل قال عبارة لم أقرأها قبل ذلك ولم أسمعها من أحد من الناس قبله وهي عبارة "" إن محمداً  لم يغزو أحداً بل غزي"" وهي عبارة رددت بعده على ألسنة الدعاة بعدما قالها الرجل ثم وجدته صاحب وجه طلق ووطنية مخلصة مع تمسكه بدينة كما قال لى : من أخمص القدم إلى شعر الرأس ومع ذلك فلا بد أن أقول الحق . وكتبه وأبحاثه متداوله فى السوق ومن هنا أطالب بأن يحذو حذوه العقلاء فى مصر وفي سائر البلاد حتي نجنب العالم ويلات الحروب ونخلص أنفسنا من التأخر والأحقاد التي تشجبها الشرائع السماوية الثلاث.

ثالثا:- شهادة وتسامح أبينا بانوب قس كنيسة عائلة ( الخوله ) وهي عائلة مؤلف هذا الكتاب كودية الإسلام –ديروط – أسيوط. كنت فى السنة الأولى بمعهد ديروط الديني الأزهري وكنا ندرس القرآن تفسيراً وحفظا وكان مقرراً علينا أمهات الكتب سيرة ونحواً وصرفا وفقها وغير ذلك .

ولما كان يحين موعد انصرافنا إلى بيوتنا وقرانا كان الواحد منا يأخذ قسطا من الراحة ويساعد أهله فى الحقل وخاصة فى الاجازة الصيفية. وفي ثاني أيام الأسبوع "يوم الاحد" كنت أذاكر السيرة النبوية فى " مندرتنا " وهو ما كان يسمي بالديوان. ومن عادتي أيامها أنني كنت أذاكر بصوت مرتفع لكي يسمعني الناس ليعرفوا أنني الشيخ محمود الأزهرى ، لأنهم كانوا يعظمون الأزهر طلابا وشيوخا . . . والدرس الذي كنت أذاكره فى هذا اليوم هو ( إيذاء المشركين للنبي  ) وحين المذاكرة فوجئت بالأنبا بانوب راعي كنيسة الأرثوذكس بقرية كودية النصاري وراعي الكنيسة التي فى شارعنا شارع عائلة الخولة أقول : فوجئت بنيافته يقف على رأسي ويقول لى : اقرأ يا ولدي فقرأت صوراً من الإيذاء الذي تعرض له  فذرفت الدموع من عينيه وربت على كتفي وقال بالنص "" تعبوه يا ولدي . تعبوه يا ولدي"" ثم أخذ عمي حنا الذي كان يدق الجرس وانصرفا.

نتيجة هذا التسامح من الأنبا بانوب :-

إن عائلة " الخولة " بكودية الإسلام أسهرت ليلها وأظمأت نهارها حفاظا على الكنيسة والآباء ومن مظاهر ذلك أننا وجميع أطفال العائلة كنا نقبل آيادي الآباء القساوسة لأن أولياء أمورنا فهمونا ذلك. ومن ثم فدور الأسرة لمنع أي خلل بين أبناء الوطن الواحد مهم جداً . ولما أطل الإرهاب بوجهه القبيح وعينت الحكومة جنوداً لحراسة الكنائس على مستوي مصر – أجتمع الكبار فى العائلة وقالوا من العار علينا أن تستباح كنيستنا ولن يستطيع إرهابي مهما كان موقعه أن يدخل كنيسة الخولة أو أي كنيسة فى البلد لأن مغبة ذلك السوء يقع علينا جميعا واستثنت الدولة كنائس عائلتنا وبلدنا من إرسال جنود لحراسة هذه الكنائس واكتفت بشباب كودية الإسلام الذين أبلوا بلاء احسانا فى محاربة هؤلاء الأفاكين . ولما مات أبونا بانوب شيعه إلى مثواه الأخير الكوديتان " كودية الإسلام و كودية النصاري " لأن المصاب مصاب الجميع .

رابعا : موقف المسيحين من مؤلف هذا الكتاب:

حفظت القرآن عند سيدنا الشيخ محمد البقوشي من علماء كودية الإسلام وفضيله الشيخ عبد الحكم عبد اللطيف رحمة الله عليهما . كما أنني تعلمت الخط والإملاء والرياضيات عند الخواجه عياد والخواجه محارب كما كانا يسميان آنذاك ، ثم مرت بي الحياة وكنت أدعو إلى الله تعالى فى البلدين المذكورين بسماحة الإسلام ودعوة الجميع إلى الحب والتعاون من أجل إبعاد الشباب عن أية فتنة تطل من هنا أو هناك ورافقني فى هذا الدرب القس يعقوب والقس بنيامين اللذان كانا على نفس الدرب يدعوان إلى المحبة والألفة بين الشباب وذلك لا يتم إلا عن طريق التربية المدرسية والتفاعل الأسري الذي يبين لهذا الرعيل أن الله اختار أنبياءه ورسله للدعوة إلى العقيدة السليمة ومكارم الأخلاق النبيلة ثم إن المرجع والمآل إلى الله تعالى الذي سيحكم بين الناس يوم القيامة. ومن هنا فقد عشنا ذلك الزمان الجميل الذي يتعاون أهله فيما اتفقت الشرائع عليه ولندع أمر عقيدة كل إلى من بيده ملكوت كل شئ. وسارت الأمور هكذا حتي تدخلت يد العدوان وتفريق الأمم والشعوب وصنعت ودربت معاول هدم المجتمعات الإسلامية والمسيحية فى الشرق فنشأ الإرهاب الذي تبناه الغرب لو أد الشيوعية وقتل الرموز وكل من لا ينضم إلى أفكار الإرهابيين. وهنا أسرع علماء الأزهر بالدفاع عن طريق الكلمة والجهاد ضد أولئك المشردين أو المغرر بهم حتي هدأت الأمور بعض الشئ وكنت واحداً من هؤلاء الذين قرأوا تلك الأفكار وردوا عليها بالدليل والبرهان ، ورغم ما تعرضنا له من تهديدات بالقتل والسحل إلا أن الله كان معنا ، وقد عاوننا فى ذلك كثير من القساوسة والرهبان فى أسيوط والقس باقي صدقة رئيس الكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط والقس بولس الخطيب المفوه بالكنيسة الأرثوذكسية بأسيوط – وقساوسة ديروط وكودية النصاري وكودية الإسلام وكل ذلك مسجل عند الجهات المسئولة عن أمن مصر كلها بدون تفريق بين مسلم ومسيحي ، لأن الإسلام فى معاملته للآخر يأمر أتباعه بذلك فلا قبلية ولا عصبية ولا ظلم ولا حيف. فقد روي البخاري بسنده عن أبي هريرة -  - قال : بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه فقال : لا والذي اصطفي موسي على البشر، فسمعه رجل من الأنصار ، فقام فلطم وجهه ، وقال : تقول: والذي اصطفي موسي على البشر والنبي  بين أظهرنا ؟ فذهب اليهودي إلى النبي  فقال : أبا القاسم إن لى ذمة وعهداً فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال  ( لم لطمت وجهه ) فأخبره – بما جري – فغضب النبي  حتي رئي فى وجهه ثم قال : ( لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ فى الصور فيصعق من فى السموات والأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخري فأكون أول من يبعث فإذا موسي آخذ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي ، ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متي. ) ( ).

أقول : إن هذا الحديث ينهي عن الظلم وخاصة ظلم المعاهدين ويمنع كل ما يؤدي إلى تفاقم الأمور حتي تعيش البشرية فى سلام وأمن كما يدل على عظمة رسول الإسلام وتواضعه حتي لا يريد من أمته أن تبالغ فيه مبالغة تؤدي إلى الفتن بين أبناء شرائع السماء فالكل لآدم وآدم من تراب

رابعا : شهادة بعض مسيحيي الغرب :-

يقول المستشرق البريطاني المعاصر "" مونتفمرى وات "" : منذ قيام " كارليل " بدراسته عن محمد  فى كتابه المشهور أدرك الغرب أن هناك أسبابا وجيهة بصدق محمد وأمانته منها :

1- أنه كان صاحب عزيمة قوية فى تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته0

2- الخلق السامى لمن آمن به من الرجال إذ كان محمد  بمثابة القائد لهم 0

3-عظمة عمله فيما أنجزه من أعمال 0 وكل ما ذكرنا يشهد باستقامته التى لا تتزعزع 0 ومن ثم فإن اتهام محمد  بالدجل يثير من المشاكل أكثر مما يحل 0 ومع كل هذافإن الغرب قد ظلم محمداً  فليس هناك شخصية كبيرة فى التاريخ حط من قدرها فى الغرب كمحمد  فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد .

ويقول "وات" مواصلا حديثه عن النبي  :كلما فكرنا فى تاريخ محمد  وتاريخ المسلمين الأوائل تملكنا الذهول فيما قام به من أعمال إدارية حيث إنه كان عظيما وذا بصيرة رائعة فى اختيار من سيقومون بالأعمال الإدارية لأن المؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة لن يتم بناؤها إذا كان التطبيق خاطئا متردداً . ومن ثم فإن الدولة التي قام بتأسيسها محمد  كانت عند وفاته مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه الصدمة التي أحدثها غياب مؤسسها ، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة اتساعا رائعا . ويقول عن أسباب ذلك : ولا شك أن الظروف كانت مواتيه لمحمد  فأتاحت له فرصا من النجاح لم تتح لسوي القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوي الظروف تماما . فلو لم يكن نبيا ورجل دولة وإدارة ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله ، لما كتب فعلا مهما فى تاريخ الإنسانية . ولى أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد  يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام من جديد برجل هو أعظم رجال أبناء آدم ( ). أقول : هكذا فليكن أصحاب الشرائع يقرؤن بروية وفهم ثم يصدرون أحكامهم على الناس وخاصة أهل الفضل منهم دون إسفاف أو تجن فالعقل فى الإنسان له أهمية كبري وخاصة إذا تعامل مع النص بهدوء دون تعصب ودون هوي فما عليك إلا أن تقرأ وتفهم ثم تصدر حكمك على قدر كونك إنسانا يحتمل خبرك الصدق والكذب ولا تتصف بالإله الذي لا يمكن أبدا أن تكون أخباره كاذبة بل هي الصدق كله واليقين كله .
ويقول المستشرق البريطاني "آرنولد تونبي " :-

إن محمداً عليه الصلاة والسلام – أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيا للحكم الإسلامي ومن ثم فقد قدم محمد -  بذلك لقاعدة التسامح الإسلامي تفسيراً قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين الغير المسلمتين هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسهم .. وليس أدل على روح التسامح التي بعثت الحياة فى الإسلام منذ بدايته من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني على أتباع "زرادشت" الذين خضعوا للحكم الإسلامي وإن لم يقل بذلك الرسول نفسه ( ). ويقول الدكتور " ا. س ترتون " مؤلف كتاب "" أهل الذمة فى الإسلام "" : وفى الأخبار النصرانية شهادة بحسن التعامل مع المسيحيين ، وهى شهادة البطريرك (عيثويابه) الذي تولي البطريركية من سنة 647-657م.إذ كتب يقول : إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية ، بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسينا وقديسينا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا

والظاهر أن الاتفاق الذي تم بين (عيثويابه) وبين العرب كان لصالح النصارى . فقد نص على وجوب حمايتهم من أعدائهم وألا يحملوا قسراً على الحرب من أجل العرب ، وألا يؤذوا من أجل الاحتفاظ بعبادتهم وممارسة شعائرهم وألا تزيد الجزية المجبية من الفقير على أربعة دراهم ، وأن يؤخذ من التاجر والفني اثنا عشر درهما ، وإن كانت أمة نصرانية فى خدمة مسلم ،فإنه لا يحق لسيدها أن يجبرها على ترك دينها ، أو إهمال صلاتها والتخلي عن صيامها ( ). أقول لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة : ذاكروا التاريخ لتعرفوا مراميه وماذا قام به الأوائل الذين طبقوا النصوص الشرعية على أنفسهم وذويهم وفهموا أهداف هذه النصوص وفعلوها ومن هنا عاش الجميع في سلام .

عتاب لعلماء الأديان :

الأول : أعلموا جميعا يا علماء كل ملة ويا أحبار كل نحلة أنّ الملك كله لصاحب الفضل علي عباده والمنة . وأننا كلنا عبيد له أذلة ليس بأيدينا شيء في تلك الأمم ولا في هذه الأمة ومن ثم فربنا هو صاحب الجلال وإليه يرجع الأمر كله , وليس لديكم مفاتيح أبواب النار ولا الجنة . فاعلموا أنّ كلا ميسر لما خلق له سواء أكان ذلك في عالم الذر أم و أنتم في بطون أمهاتكم أجنة.

قال تعالي :"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير . تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب( ). عن ابن عباس وأنس  لما افتتح رسول الله مكة ووعد أمته ملك فارس والروم, قالت المنافقون واليهود:- هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم, هم أعز وأمنع من ذلك, ألم يكف محمداً مكة.

والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم , فأنزل الله تعالي هذه الآية( ) . فإذا ما كان الأمر كذلك فعلام الصراع والتقاتل بين أبناء الدين الواحد؟ أو الحروب بين أبناء الأديان رغم أنّ شرائعهم ما نادت بذلك و لا حرضت عليه بل أمرت بالموالاة والتآخي والمحبة والوئام والإيثار وإليك أنموذجاً من نمازج الأخيار وهو ما طبّقه الأنصار علي إخوانهم المهاجرين الذين لم يكن عندهم درهم ولا دينار. قال الواحد القهار:- " والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" ( )فعّل المؤمنون هذا النص وحولوه إلي واقع عملي ولو كان ذلك علي حساب نفسه أو أهله ومن يعول.فعن أبي هريرة  قال:- أتي رجل إلي رسول الله  فقال:- يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل  إلي نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال( ألا رجل يضيف هذه الليلة رحمه الله) فقال أبو طلحة الأنصاري:  أنا يا رسول الله ، فذهب به إلى أهله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله  لا تدخريه شيئا ، قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية ، قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فأطفئ السراج ، ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله  ففعلت ، ثم غدا الضيف على النبي  فقال: لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما ""ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . ( ).

فلماذ لا تكون البشرية مثل الرعيل الأول أو على الأقل الاكتفاء بكف الأذى عن المخلوقين واحترام مقدسات كل إنسان ومشاعره ومراعاة المحافظة على حياته إذا عجز عن تدبير قوته وما به قوام حياته والإ كان من يتسبب في إزهاق روحه ولو بمنع الطعام عنه مشاركا فى هذه الجريمة.

يقول الموصلي الحنفي رحمه الله : إن من اشتد جوعه حتي عجز عن توفير قوته فرض على كل من علم به أن يطعمه، أو يدل عليه من يطعمه صيانة له من الموت جوعا، فإن مات بسبب امتناع الناس عن إطعامه كانوا مشاركين فى الإثم( ). وقال عكرمة رحمه الله : الفقراء . فقراء المسلمين . والمساكين : فقراء أهل الكتاب.وقال أبو بكر العبسي رحمه الله :رأي عمر بن الخطاب  ذميا مكفوفا مطروحا على باب المدينة ، فقال له عمر : مالك ؟ فقال استكرهوني فى هذه الجزية حتى إذا كف بصري تركوني ، وليس أحد يعود على بشئ فقال له عمر: ما أنصفت إذاً ، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال : هذا من الذين قال الله تعالى : : "  إنما الصدقات للفقراء والمساكين..  وهم زمني أهل الكتاب، ولما قال :  إنما الصدقات للفقراء والمساكين..  وقابل الجملة بالجملة ، وهي جملة الصدقة بجملة المصروف، بين النبي  ذلك فقال لمعاذ بن جبل حين أرسله لليمن "  أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياهم وترد لفقرائهم  فاختص أهل كل بلد بزكاة بلده ( ). هذا فهم الأوائل وسلوكهم مع الناس جميعا، وإن اختلفت الشرائع وتباينت المذاهب ، فهل عالمنا كذلك؟ أظن أن الجواب سيكون في الآتي:- بلغ بالإنسان المعاصر بل وصل الأمر به إلى المذهبية البغيضة بين أبناء الدين الواحد . مما حملهم على أن يعمل أصحاب هذه المذاهب على إبادة بعضهم البعض كما حدث بين البروتستانت والكاثوليك في فرنسا عام 1574. فبين "البروتستانت" و"الكاثوليك" حرب لا يخمد أوارها والدليل على ذلك مذبحة: "سان بارثليمو" فقد أراد " تشرلس" التاسع عشر عام 1574م. أن ينشر الأمن في ربوع البلاد فهادن "الهوجونوث" وأدني زعماءهم وقربهم منه، وتوج هذه الحركة بالرغبة فى تزويج أخته من أحد زعمائهم ،/ فأثار هذا المسلك ثائرة" الكاثوليك" وفي ليلة الزفاف أقبل جموع " الهوجونوث " تتري إلى باريس فأطلق الرصاص على زعيمهم ..وعندئذ وطد عزمه على التنكيل بمن حاول اغتياله وخشي " الكاثوليك " مغبة ذلك ، فعقدوا النية على أن يجعلوا عيد القديس ""بارثلميو"" فى 24/8/1574م. مذبحة يبيدون فيها خصومهم . وفي منتصف الليل دق ناقوس كنيسة " سان جرمان" مؤذنا ببدء المذبحة فإذا أشراف الكاثوليك والحرس الملكي ، وجموع الجماهير تنقض على بيوت "الهوجونوث" والفنادق التي آوتهم ، وتأتي على من بها ذبحا وتمثيلا. فلما أصبح كانت شوارع باريس تجري بدماء ألفين من النفوس وتطايرت أنباء المذبحة المروعة على الأقاليم ، فإذا هي تتحول بدورها إلى مجزرة تجري بدماء ثمانية آلاف من هؤلاء المساكين ، وقيل :أودت بحياة نيف وعشرين ألفا . وقد أثار وقوع هذه المذبحة الغبطة والرضا في أوربا المسيحية الكاثوليكية كلها ، فكاد ( فيليب الثاني ) يجن من فرط الفرح عندما بلغته أنباؤها ، وانهالت التهاني على ( تشرلس التاسع ) بغير حساب .

بل كاد البابا " جريجوري الثالث عشر " يطير من الفرح والسرور حتى إنه أمر بسك أو سمة لتخليد ذكراها توزع على وجوه الشعب وعيونه ، وقد رسمت على هذه الأوسمة صورته وإلى جانبه ملك يضرب بسيفه أعناق الملحدين ، وكتب على هذه الأوسمة " إعلام الملحدين" وأمر البابا بإطلاق المدافع وإقامة القداس في شتى الكنائس ، ودعا الفنانين إلى تصوير مناظر المذبحة على حوائط (الفاتيكان) وأرسل تهنئته الخاصة إلى ( تشرلس التاسع) ( ).فهل الشريعة المسيحية أمرت بذلك ؟ والجواب في سطور فالكل يعلم أن السيد المسيح كان عنوانا للتسامح بل هو التسامح نفسه . أليس هو القائل :" من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"":-

والعتاب الثاني لعلماء الإسلام :

أقام علماء الإسلام الأولون علاقاتهم في الفكر والاجتهاد على أن العلم رحم بين أهله إذ هو الرباط القوي الذي يجمع بين ورثة الأنبياء ينشرون الحق في كل طريق، لأنه بالحق يعرف الرجال ، وليس بالرجال يعرف الحق، ومن هنا التمس العلماء العلم والحكمة من كل سبيل يوصل إليهما فاجتهدوا لدينهم ودنياهم واطلعوا على ثقافات الآخر ، حرصا منهم على الاستجابة لتوجيهات الإسلام في هذا الشأن ولأجل ذلك انفتحوا على ثقافات الحضارات اليونانية والفارسية والرومانية فتأثروا بها وأثروا فيها فترتب علي ذلك إطار من التفاعل الخلاّق الذي حملته رسالة الإسلام إلي البشرية في عصر نضجها وترقيها وقد نتج عن ذلك إسهام كثير من العلماء المسلمين من أبناء الأمم الفارسية والرومانية في صرح الفكر والحضارة الإسلامية حيث وجدوا أنّ الإسلام بعثهم في خلق جديد , ,أعطي قيمة لوجودهم بمبادئه وتعاليمه وقيمة الإنسانية , وعبروا بحق عن إنسانية وعالمية هذا الدين الذي لا يتعصب لجنس , ولا يحابي عنصراً علي حساب الحق والعدالة , إذ هما مطلبان للإسلام لكل البشر.

ومن ثمّ فقد أقاموا الحياة والنظام علي ذلك اقتناعا بأنّ الفكر المحاط بسياج من القيم الإيمانية والحضارية ينطلق بالأمة إلي التقدم في شتي المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وسائر شئون الحياة .
تحول وتراجع:-

وبمرور الزمن وحب ما سيفني وحب الظهور تعثر العقل الإسلامي وقل عطاؤه فتبدل الحال من التقدم إلي التخلّف ومن الأصالة إلي التبعية ومن القيادة في المقدمة إلي المؤخرة.

أسباب ذلك التراجع:-

1- اختلاط الحابل بالنابل وتداخل الأمور , فأصبح الكل من الدعاة وأضحت كل التخصصات تفتي في الأديان , وخاصة الإسلام. وذلك بدون علم و لا فن في فهم النصوص ولا في كيفية استنباط الأحكام منها . وذلك يتنافي وقواعد البحث وشروط التصدي للفتوى التي كان عليها الأعلام من أصحاب الرسول الذين كانوا يرجعون إلي الرسول في حياته إذا استغلق عليهم أمر, أو التوت عليهم فكرة , فلما انتقل إلي الرفيق الأعلى حملوا من بعده المشعل وصاروا في طريقهم الواضح يحدوهم الإيمان ويقودهم الإخلاص وترفرف عليهم أجنحة الملائكة التي أخبرهم النبي بأنها تظل العلماء وتوضع عند أقدامهم ما أخلصوا النية لله ومحضوا له الطوية، وكان هؤلاء الأئمة من علماء الأمة الأوائل علي جانب عظيم من معارف عصرهم ، وثقافة زمانهم ، أضف إلى ذلك ما كانوا يعرفونه من أنباء القرآن والظروف التي لا بست نزول آياته، والأحداث التي نزلت هذه الآيات فى شأنها. ومن هنا يقول الإمام على بن أبي طالب  : سلوني عن القرآن فوا الذي بعث محمداً -  بالحق ما من آية منه إلا وأنا أعلم بها متي نزلت؟ وأين نزلت ؟ وفيم نزلت ؟ وكذلك كانوا على دراية بالسنة وعلومها والتاريخ وأصوله والطب وفنونه ، والاقتصاد والاجتماع والفقه وأصوله وعلم أصول الدين والبلاغة وعلومها والأدب وشروطه واللغة وقواعدها والأحكام الخاصة بتجويد القرآن وكيفية قراءته وعلم القراءات والمحكم والمتشابه وحجية كلام الرسول  من القرآن وصحيح السنة وغير ذلك من العلوم التي افتقدها كثير من الذين نصبوا أنفسهم دعاة للناس وقضاه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2- جمود العقل المسلم ووقوفه عند النص القرآني أو النبوي دون استنباط ما يشتمل عليه من كنوز وجواهر تفيد جميع الأزمان إلى يوم الدين من صناعات أسلحة للدفاع عن حياض الأمة والزود عن كرامتها وذلك فى نصوص من القرآن والسنة حضت على ذلك بشرط أن تكون مصحوبة بالأخلاق الكريمة والقيم النبيلة وإليك بعض النصوص فى ذلك قال تعالى : " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين . وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون( ). فقبل الحديث عن تعليمه عليه السلام صناعة الأسلحة يمهد لذلك بالعقيدة السليمة والأخلاق القويمة إذ كان عليه السلام يفعل ما أنزله عليه ربه من تعاليم ويطبق ذلك على نفسه أيما تطبيق ومن ثم سخر الله له الجبال والطير يسبحن كما يسبح ومن كانت هذه منزلته كان عند الله أوابا وعلى الناس عزيزاً منتصراً فلماذا صناعة السلاح والحال كذلك؟ والجواب : الأخذ بالأسباب التي تحمي القيم وتدافع عن العرين ابتلاء من الله وامتحانا لعباده المجدين كما قال تعالى : ولو يشآء الله لا نتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض... ( ). فالقتال وصناعة السلاح في الإسلام لا بد فيهما من بيان العلة التي من أجلها صنع ذلك السلاح ، وهي حماية الإنسانية من بأس المعتدين وشراسة المجرمين . الذين لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمة. ومع ذلك فلا تمثيل ولا تجاوز عما حدد الله ورسوله من احترام الإنسان حتى في الحروب والمعارك . وقال تعالى :ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد . أن اعمل سابغات وقدر فى السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير( ).فالله تعالى فى هاتين الآيتين الكريمتين يمتن على عبده ونبيه داود عليه السلام بفضله العميم ونعمه الوفيرة، حيث جعله ملكا نبيا وذلل له الكائنات تسبح له بكرة وعشيا ، وثبت له ملكه بالجنود الذين يحمونه وأمته من كيد الكائدين وعداوة الآثمين ولذلك أمره بصنع السلاح لهؤلا الميامين، فألان له الحديد ليصنع منه السلاح الرصين .الذي لا ينكسر أو يلين . دون الإتيان به من دول الشمال أو دول اليمين ، ولكن سلاح المؤمن دائما لا بد أن يكون بيمينه هولا بيمين الآخرين . واقرأ الآيتين أخي القارئ تراهما تبدآن بالعمل الصالح والعبادات المخلصة وتتوسطان بصناعة السلاح المتقنة وتختمان بالأعمال الصالحة وذلك للدلالة على أن المسلم لا يستخدم سلاحه ضد أحد إلا عند الضرورة الملحة ويكون ذلك بنية مخلصة دون فرض سلطان على الضعفاء أو هيمنة. وقال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم... ( ).القرآن قال :"" وأعـدوا"" ولم يقل :"واشتروا" للدلالة على أنكم يا أمة الإسلام لستم بأقل ممن كان قبلكم الذين كانوا يعتمدون على الله ثم على أنفسهم وخاصة في صناعة الأسلحة بأيديكم لأنها في الغالب تكون متقنة بخلاف شرائها من هنا أو هناك فإنهم يعطونكم النفايات التي تكون سببا في هزائمكم وتكرار نكساتكم وقال هنا :"ما استطعتم" أي : ابذلوا جهدكم قدر الطاقة وبدون إهمال أو توان وأنا معكم . وأذكر وأنا طالب بالثانوي قول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في محاضرة له في الشبان المسلمين بأسيوط لو جمع المسلمون قواهم وأعدوا أسلحتهم وجيشوا جيوشهم وكانت نسبة ذلك كله خمسين في المائة لتدخل الله تعالى بجنده ونصر هؤلاء الذي بذلوا أقصي ما لديهم من جهد وقال تعالى " من قوة " لتشمل كل قوة . من زمن النبي  إلى قيام الساعة . وذلك لأنه  بين بعبارة وجيزة أنها تشمل كل سلاح جد أو يجد ، أو سيجد إلى يوم القيامة .

روي مسلم في صحيحة عن عقبة بن عامر ، قال : سمعت رسول الله  وهو على المنبر يقول : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (ألا إن القوة الرمي ) قالها ثلاث مرات. ( ). وجاء الرمي صريحا فى سورة الفيل . قال تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم فى تضليل .وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ( ). أقول : القرآن الكريم يخاطب العالمين بأسلوب عالمي يشمل كل زمن وكل وقت وحين ، ففي زمن النبي  كان معهم من سلاح يرمي وفى زماننا كل الأسلحة ترمي- الطائرات – المدافع – الأساطيل – الصواريخ – القنابل – الدبابات – العربات المجنزرة وغيرها كلها ترمي ويرمي بها. فلو أن علماء الصناعات العسكرية أخذوا بالفعل المضارع " ترميهم" الذي يفيد الحال والاستقبال لما احتاجوا إلى استجلاب السلاح من غيرهم.

أقول : هذا بعض ما ورد في الكتاب عن العلوم العسكرية ، في قرآننا وسنة نبينا . وحدث ولا حرج عن علوم الأجنة والتشريح والفلك والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والتعامل مع من يخالفنا في العقيدة. والتعامل الدولي، وبموقف القرآن والسنة من الحرب والسلام والزراعة والصناعة وطب الأسنان ، حتى علم الجنس الراقي وكيفية لقاء الرجل مع زوجه ، وموقف الإنسان من المرأة والذمة المالية لكليهما وبناء الفرد والجماعة ، والتعاون الدولي من القضاء على كل من يعكر صفو العالم . ولكن علماء هذا الزمان أو بعضهم لا يفتشون إلا عن الإحن والمذهبية البغيضة والعنصرية اللونية أو القبلية وتصفية الحسابات والكراهية الملموسة للأسف الأسيف والعجب العجاب بل إن بعضهم أجاز شرب الدخان في نهار رمضان ونشر الإباحية بين أبناء وبنات المدارس والجامعات وتقسيم الأمة الواحدة إلى طوائف وأحزاب فهذا سني وهذا شيعي بينما البلاد التي لا تدين بدين سماوي أصبح أبناؤها عمالقة في التغذية والاقتصاد والبناء والتعمير. وأمامكم دول لا تدين بدين ولا تعبد إلا البقر والحجارة والنساء. ومع ذلك فهي متقدمه لأنهم أخذوا بأسباب التقدم فتقدموا . وأخذنا بأسباب التخلف فتخلفنا وسنظل كذلك حتى نتغير من أجل الله ، لأن الله تعالى لا يتغير من أجل أحد . : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ( ).قال الرب عز وجل : وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي ، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهت من معصيتي ، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي  ( ). ومن هذا المنطلق أرجو من علماء الأمة ورجال الدين أن ينقحوا علومهم من الخزعبلات وأن يركزوا على مستجدات العصر فشرائع السماء فيها خير كثير لو أخلص العلماء واتقوا الله وتركوا الغل والحسد وصنع المؤامرات وعشق المال والجري وراء الفضائيات من أجل جنيهات تنزل من قدر وقيمة العلماء , حتى ولو امتلأت البطون وتغطت الأبواب بالحرير والديباج وبني أصحابها القباب والأبراج وياليتهم تمنوا أن يكون هذا في أيديهم ولكنه اختلط بقلوبهم ونسوا دعاء الصالحين " اللهم اجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا". قال الشافعي"رحمه الله"فيمن قال له "إنك أحدثنا سناً وأغزرنا علماً:-

سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي

من وصل غانية وطيب عناقي

وتصدري لحل كل قضية

أحلي وأشهى من مدامة ساقي

أأبيت سهران الدجي وتبيته

نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي

ماالذي ترتب علي ذلك ونتج:-

1- ونتج عن ذلك أن تواري العلم الحق وظهر الأدعياء , وشاعت الفوضى , وتخبط الناس في العمل بمنهج الإسلام .... أي منهج يتبعون؟ وعلي أي رأي يسيرون وسط هذه الغابة الكثيفة من المناهج والآراء؟ومن ثم فقد غاب الفكر الإسلامي بمنهجه ومراميه المعتدلة. ولم يحدث هذا التغيب إلا بسبب الغفلة عن عوامل القيمة والحيوية في هذا الدين, والالتفات عن مصادر الخصوبة والتقدم وقيادة الحياة في عنصريها الديني والدنيوي علي سواء

2- وأخطر ما ترتب علي ذلك الإسفاف والبعد عن حقيقة الدين وتعطيل مسيرته مما نتج عنه أن فقدت الأمة ريادتها , وأصبح بأس مفكريها وعلمائها المعاصرين بينهم شديداً , فانزلقوا إلي أن يقدح بعضهم البعض الآخر في المجامع العلمية أو حتى أمام العوام من هذه الأمة , وهو النذير والعقاب الذي توعد الله تعالي به كل من أخذ بأسبابه وحاد عن الصراط المستقيم. قال تعالي:-" قل هو القادر علي أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" ( ).

3- ومن الآثار المترتبة علي ذلك أيضاً , اختلاط المفاهيم وتراجع كلمة العلماء وإن شئت فقل ضياع هيبتهم , الأمر الذي جعل الناس لا تراعي للدين حرمة ولا تقيم للفضيلة وزناً وهم يرون أنّ هذا ديدن العلماء وسلوك من كان يجب عليهم أن يكونوا للدين أولياء , وهنا تحقق ما خطط له الأعداء من سحب ثقة الشعوب من العلماء الذين انضوي كل فريق منهم تحت راية عمياء أو مذهب من المذاهب التي لا تتأدب بآداب رب الأرض والسماء ، بل كل ما راق لهم جعلوه شرعا، فضاع المحققون أو أختفوا وقاد الناس الأغنياء . على حد قول أحد الشعراء .

قد يفتح المرء حانوتا لمتجره

وقد فتحت لك الحانوت فى الدين

صيرت دينك شاهينا تصيد به

وليس تفلح أصحاب الشواهين

ونتيجة ذلك كما قلت : أن تصدر الركب أصحاب المذاهب الهدامة وقادوا الأمة إلى طريق الهاوية والندامة ، والعلماء بمعاركهم الكلامية وجدال بعضهم البعض فى مماحكات لفظية ، أخرت الأمة وكادت تجعلها فى نظر أعدائها شر البرية .

4- كما ترتب على ذلك أيضا حالة من التوهان الفكري والتغيب العقلي ينبغي تخليص العقل المسلم منها ، وتخليص الناس من حالة الحيرة والتخبط وإقامتهم على الطريق المستقيم ، وذلك لترشيد المسيرة الإسلامية فى تصحيح العقيدة وبناء الأمة على الأخلاق الحميدة واستنباط الأحكام التي تفيد الأمة فى كل قضاياها الدينية والدنيوية على حد سواء ، ولن يتحقق ذلك إلا بتقارب العلماء والتالف فيما بينهم فلا عداوة ولا شحناء ولا تحاسد ولا بغضاء لأن الهدف واحد هو نصرة دين الله الذي يتعرض اليوم لهجوم المجرمين من أبنائه أكثر من الأعداء، وبذلك نستطيع أن نبني أمة خير الأمم على أسس من المحبة والصفاء لا يعرف فيها عصبية ولا تصفية حسابات بين الناس جميعا ، كما لا يعرف فيها ظلم لأحد من الناس أيا كان دينه أو لونه أو عصبته لأن الإسلام نادي باحترام الناس جميعا بل برحمة الطير والحيوان بل بالرفق بالجماد وكل كائن على الأرض وفى جو السماء.

5- ونتج عن ذلك أيضا : الخلل القاتل فى ميثاق أدب الاختلاف والخروج عن الأصول المرعيه والقواعد الشرعية والآداب الأخلاقية كانت نتيجة ذلك ما يلي :-

أولا: فقدان التسامح بين علماء العصر ومفكري الأمة ذلك التسامح الذي أوجبه الإسلام بين المختلفين فى الأجناس والأديان والقوميات ، فما بالك بين أبناء الدين الحق، الذين يزعمون أنهم على الحق وأن بقية العلماء على الباطل ومن هنا يحقرونهم ويسفهون آراءهم في مسائل فرعية وقضايا اجتهادية ، واستفحل الخلاف بين الكل وتعصب كل لرأيه وعاب على الآخر ما رأي ناسين أو متناسين قول الله تعالى : وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله .... ( ).

وناسين قوله  ( ... ولينوا في أيدي إخوانكم ( ).وقوله  ( وكونوا عباد الله إخوانا) ( ). وناسين تسامح السلف الصالح إزاء بعضهم البعض يقول أبو حنيفة رحمه الله : علمنا هذا رأى فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه ويقول الإمام مالك رحمه الله : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذه الروضة . مشيراً إلى قبر الرسول  ويقول الإمام الشافعي رحمه الله : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ويقول رحمه الله لبعض الطوائف من البشر الذي ينقمون على الزمان ويرونه سببا فيما وصلت إليه أحوال الناس .
نعيـب زماننـا والعيـب فينـا

وما لزمـاننـا عيب سـوانـا

ونهجـو ذا الزمان بغيـر ذنب

ولو نطـق الزمان لنا هجـانـا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا ( ).

ثانيا:- إنكار التعددية في الرأي والفكر والحرص على وأد الرأي الآخر وحرمان الفكر الديني من أسمي ما جاء به من عوامل الاجتهاد إذا توافرت شروطه .

ولذلك يقول تعالى :قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( ). وكان من ثمرة هذا تعددية الفكر والرأي في علوم الشرع فنشأت مدارس فى علم الكلام ساقت كل مدرسة أدلتها وأقامت حجتها في نطاق الحقيقة المطلقة الإلوهية والنبوة. والقرآن الكريم نفسه حمال وجوه كما قال ذلك الإمام على  : وكذلك المذاهب الفقهية قامت علي ترسيخ التعددية واتخذت القرآن والسنة مرجعية لها ، فماسفه الأئمة رأي بعضهم البعض الآخر ، وما قال واحد منهم : ليس فى الإمكان أبدع مما كان ، وإنما وقرفي النفوس قول الله تعالى "- :فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون . ( ). وعلى كل حال فالإسلام ثري ولن يستطيع كائن من كان أن يحيط علما بكل شئ جاء فى القرآن والسنة وإن استطاع أحد ذلك إلى نهاية الدنيا يكون هذان المرجعان غير معجزين .قال تعالي :قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً  ( ). فالكلمات هنا : علم الله وحكمته التي لا يحصيهما أعلم العلماء والقرآن من علم الله فلن يحيط بمراميه أحد فى كل زمان بل هو كتاب قديم متجدد الأهداف والمرامي ، ولكن الله تعالى يسره لنا لنحفظه ونجتهد فى الفهم على قدر إمكاناتنا.

يقول الشافعي رحمه الله :

لن يبلغ العلم جميعا أحد

لا ولو حاوله ألف سنه

إنما العلم عميق بحره

فخذوا من كل شئ أحسنه ( ).

ثالثاً:- انصراف العلماء عن قضايا الأمة المكلومة وقضية الشعوب المجروحة , فأين الحديث عن قضية العدالة الاجتماعية بين أبناء الشعوب الإسلامية وأين التطرق في الحديث عن الفساد والإفساد اللذين يسودان الأمة وأين علاج قضية الآخر والتعامل معه بهدوء وروية كما نص علي ذلك القرآن والسنة النبوية اللذان أوليا هذه القضية كل رعاية بأساليب سوية طبقها الأوائل علي كل الرعية يستوي في ذلك تحت رعايتها ورايتها كل أبناء الإنسانية , وأين الدفاع عن الأمة الموصوفة بأنها امة إرهابية وشعوبها شعوب فوضوية ؟ أين الحديث عن القضية والقاعدة البلاغية التي تقول:- لكل مقام مقال ولكل حال مقتضاه لتفهم الدنيا كلها أننا أمة سماوية تنفذ تعاليم الإله بكل قيمها لترشيد البرية . وأين الحديث عن النبي الإنسان في القضايا الإنسانية مع من آمن به ومع من ناصبه العداء وتوجه إليه بالأذية من الشيعة وبعض الدول الإسلامية , بل أين أنتم ممن رفع السلاح وتوجه بالطعن في كل الأحاديث النبوية ممن يسمون أنفسهم بأنهم أمة قرآنية , وتعاونهم في ذلك كل الدول الغربية وعلي رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية . فأفيقوا أيها العلماء واتحدوا وردوا على من يقول : إن الإسلام خاص بالأمة البدوية نشرت ذلك جريدة الأهرام المصرية على لسان كاتبها المفضل أحمد عبد المعطي حجازي الذي يتبني كل بلية ، بل ردوا على من يقول : إن فى القرآن لحنا يخالف القواعد العربية نشر ذلك على لسان المستشار عشماوي الذي يشكك فيه لغة وأسلوبا ، ويا علماء الأمة ومصر بالذات أين أنتم ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين ويتزعمهم د/ صبحي منصور أو بالشيعبين الذين يلعنون الصحابة ويفسقون أم المؤمنين وعلى رأسهم حسن شحاتة وآخرون .

يا علماء الأمة: لا يزال كثير من علماء الأمة يصر على الانحصار في النطاق الضيق للمكان والفكرة والرؤية المذهبية والإلحاح على البحث في الجزئيات والمسائل الخلافية والجري وراء الأمور الهامشية ، وما ولا تزال الأمور الخلافية تطفو على السطح بين أبناء الجاليات وكثرة الشقاقات ، وهو ما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام الجميلة وتعليل شأن المسلمين في تلك البلاد وغيرها. وأخيراً فإن الفقه السديد يقوم على ترتيب الأولويات وتحديد الأسبقيات ، ففرض الكفاية لا يزال يدور في فلك صلاة الجنازة ، وغاب عن ساحته الاشتغال بالتنمية ومحو الأمية ، وزراعة الصحراء والتنقيب عن الثروات في البر والبحر ، وتحصيل السبق في الصناعة والسعي إلى الاكتشافات العلمية والتكنولوجية ( ).

المؤتمر العالمي للأديان فى لندن فيه رد على المتاجرين بالأديان :

يقام كل سنة مؤتمر عالمي للأديان في عاصمة من كبريات عواصم الغرب ، الغرض منه دراسة مختلف الوسائل للتقريب بين الشعوب لحسم مادة الخلافات بينها ، تذرعا لإبطال الحروب والمخاصمات وقد دعا المؤتمر في هذه الدفعة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر ، لإلقاء خطابة فيه في موضوع : ( كيف تتكرر زمالة عالمية بين الأفراد المختلفي الأديان والنحل ) وقد أجاب فضيلته الدعوة فأرسل للمؤتمر ببحث طريف جامع فى هذا الباب0

وأناب عنه فضيلة الشيخ عبد العزيز مصطفى المراغى ، شقيقة فى إلقائه ، واعتذر هو عن عدم الحضور بنفسه لكثرة أعماله ، فقبل ، المؤتمر عذره ، وقابل خطابته بما هى أهل له من الإطراء والإكبار 0

وها هو نص الخطبة ( ).

كلمة التحية للمؤتمر :

1- تشرفت بالدعوة إلى حضور هذا المؤتمر من حضرات السادة القائمين بأمره ، وكنت شديد الرغبة في شهوده وفى لقاء حضرات السادة ممثلي الأديان والمذاهب ، لكن أسبابا قوية حالت دون بلوغي هذه الأمنية ، فبعثت بكلمتي هذه وأنبت عن في إلقائها الشيخ عبد العزيز المراغى المدرس بكلية الشريعة ، وعضو بعثة فؤاد الأول بلندن ، وأنا راج منكم أن تتقبلوا أصدق عبارات التحية والإجلال واصدق الأماني وتحقيق الغرض السامي الذي تسعون اليه.

فكرة الزمالة طبيعية :

إن فكرة الزمالة تولدت في الجماعات الساذجة ، وكان مظهرها تذليل عقبات الحياة في أشكالها البسيطة ، وتمت الفكرة بنمو الجماعات وامتد سلطانها فشملت القبائل ، ثم نمت حتى وسعت الشعب والأمة 0 واليوم وقد نشأ الشعور بحاجة الأمم بعضها إلى بعض ، ونشأ الشعور بوجوب جعل الحياة العامة في البشرية كلها بمأمن من الغوائل 0 ونشأت الحاجة إلى تحقيق مطالب اقتصادية ومدنيه وعلمية وروحية لا تستقل بها أمة ، بل تحتاج إلى مشاركة عامة ، أخذت فكرة الزمالة تتسع وتمتد لتشمل النوع الإنساني كله 0 ففكرة الزمالة ليست نظرية فلسفية بل هي حاجة طبيعية تولدت في النوع البشرى منذ دور الطفولة ، ومنذ أدرك أن ارتباط الأفراد بعضهم ببعض يساعده على قطع مفاوز الحياة بأمان ويعود عليه بالخير 0

أسباب التفرق طبيعية :

4-ومع شعور الإنسان بالحاجة إلى الزمالة ، ومع أن العقل يقتضيها فقد كانت عوامل التفرق دائما ملازمة لهذا الشعور ، لأن الإنسان لا يسيره العقل وحده ، ولكن تسيره أيضا غرائز حيوانية ركبت فيه ، ومن هذه الغرائز حب الأثرة والغيرة ، والخوف والشك ، وقد أضيف إلى ذلك اختلاف الأديان والمذاهب ، فوجد عامل آخر للتفرق ، حتى إنه عندما يلوح للباحث أن الإخاء الإنسان , يبدو له أنّه مطلب لا ينال في هذه الحياة , إذ يهوله ما يحتكم فيها من شرور تصرفها تصريفاً جائراً شرساً لا قلب له ولا وجدان.

التدين هو الدواء:

4-هذه العوامل وإزالة آثارها , فقد شاهدنا أنّ الحروب تزيد هولاً ووحشية كلما تقدّم العلم , ,انه أمضي أسلحتها , بل في الحق إني لا أعتقد أنه سيجيئ اليوم الذي تتحقق فيه المثل العليا للبشرية , لأنه وإن أمكن بعامل من العوامل أن تخبو جذوه تلك النار المنبعثة من قوي الطبيعة في الإنسان فإنه لا يمكن أن تنطفئ تلك النار.

5-لكن هذه العقيدة لا يصح أن توقفنا عن البحث عن الوسائل الملطفة لتلك الغرائز و الكابحة لجماحها , بل من الخير أن نبحث عن تلك الوسائل .

والمتدين حين يعالج هذه المشكلة يجب أن يذكر أنّ الأديان كلها قد اعتمدت في الإنسان علي أصل راسخ من غريزة التدين ودفعته إلي الثقة بأنّ العلم مجموعة متناسقة تسودها قوة مدبرة حكيمة عادلة ترقب النيات وتحكم الضمائر وأنّ هذه الحياة صائرة إلي غاية من المسئولية والمجازاة , ففي التدين من هذا التأليه والخضوع ومراقبة الإله وتوقع محاكمته عوامل ليست أقل خطراً ولا أضعف أثراً في دفع الإنسان إلي الخير والبر من تلك العوامل الأخرى الداعية إلي الشرور , والدافعة إلي الحرب والحرص, وإفساد شأن الجماعة الإنسانية.

الاعتقاد بالحياة الأخرى يدفع الإنسان لعمل الخير:

وليس من شك في أنّ اعتقاد حياة آخري أطول مدي من هذه الحياة, واعتقاد أنها خير خالص يصل إليه الإنسان بالعمل الصالح , أو شر محض يكون نتيجة حتمية لأعمال الشر, يجعل قلب الإنسان مطمئناً راضياً إذا ساء حظه في الحياة , ويغير نظره إلي هذه الحياه تغييراً تاما 0 ثم اعتقاد أن الخير والشر ينزلان بمقدار بعد وزنهما بميزان عادل هو ميزان القادر الحكيم يحفز الإنسان إلى الإكثار من عمل الخير ويبعده عن عمل الشر.

6- خوف الله هو المهيمن على عمل الإنسان.

يجب أن يكون المهيمن على عمل الإنسان من داخل الإنسان وهو خوف الله . وقد يقول علماء الأخلاق: إنهم إذا وصلوا إلى جعل الإنسان يحب الخير لذاته ويكره الشر لذاته، ونبهوا الضمير الإنساني بواسطة التهذيب والتربي ، أغني ذلك عن التدين.ولكن أني لهم ذلك ، وكيف يستطاع تهذيب الدهماء ومن تلهيهم من أول أدوار الحياة : الحاجة إلى القوت؟ فالرجوع إلى غاية التدين أسهل، وهذا الشعور الديني إذا عمق وصلح أقوي- أو على الأقل ليس اضعف – من الخوف والطمع والمناقشة المثيرة للحروب. وهذا الشعور يرفع الإنسان إلى ما فوق الأعتزاز باللون والدم والجاه والطبقة والثروة، وهو صالح لأن يغلب الحقد والحسد والأنانية، وفيه من تطمين النفس ما يقلل بطرها بالفني ويهون عليها الفقر، ويخفف ثورتها عليه.وهذا الشعور يكرم النفس الإنسانية ويحدوها إلى المعرفة والحكمة ويكره إليها الجهل والحمق، كل تلك الآثار، وقد ثبت تحقيق الدين لها فعلا لولا طوارئ أخري. ومن هنا تقوي طماعية المتدين فى قبول تلك الغاية المرجوه من الأخوة الإنسانية مهما عز ذلك أو بعد، ولكن بقدر ما تحتمل ذلك طبيعة الإنسان .

غلبة واقعية الحياة على مثالية الدين سبب البلاء الذي يعانيه العالم:

7-نعم إن الإنسانية لتطيف بخيالها ذكريات من جلاد قاس مخيف أدار رحاه الخلاف الديني، وكان فيه الشعور الديني الحاد الجاهل قوة طائشة دفعت إلى عنف وتدمير رهيب مروع، وإن الإنسانية لترنو فى خيبة إلى آلاف من الأجيال المتمدينة لم تدنها كثيراً من تلك الأخوة الإنسانية . بل لا تزال إلى اليوم يائسه منها ، لكن التدين مع ذلك كله يعاوده الأمل القوي. ويدرك أن تلك الذكريات المروعة وذلك البعد عن الغاية النبيلة ليسا أثرين لنقص فى طبيعة التدين أحدث ذلك كله، بل إن ذلك فى الحق إنما سببته غلبة واقعية الحياة على مثالية التدين، فتحكمت الحياة فى التدين . حين كان ينبغي أن يحكم التدين فى الحياة ، وسببته محاولات أشخاص خالين من الضمائر استغلوا الشعور الديني استغلالا ماديا فى سبيل مآرب لا تثير دفين مخزياتها .

الانحراف فى اتجاه الشعور الديني هو سبب ما نال البشرية من شرور.

حسبنا أن نقول : إن ما نال الإنسانية فى عصور التدين من شر،وما قعد بها عن بلوغ الأمل المرجو فى السلام الروحي ، ليس لشئ فى طبيعة التدين بل الانحراف فى اتجاه الشعور الديني، على أن ناموس التدريج الطبيعي يفسر هذا الذي كان من ألم وخيبة بأنه حال اقتضتها درجة فى الحياة فى تلك العهود ، وأن ما صارت وتصير إليه تلك الحياة من رقى يؤهلها للانتفاع بالشعور الديني فى إدنائه من الغاية المرجوة آمنة من أخطار انحرافه أو فساده . وهاهو ذا الرقي العقلي والنفسي قد حسم فعلاً غير قليل من أسباب الخلاف بين الناس لاعتبارات يسمونها دينية ، ووجه الشعور الديني توجيها أصلح نوعها مما كان قديما . ومن آثار ذلك هذا المؤتمر للأديان ومحاولة أهل الدين تنمية الزمالة العالمية.

8- وحدة الأبوين موجبة للتعارف والتناصر والتعاون.

وهذا ما جعل اغتباطي بهذا المؤتمر عظيما، فإنه فضلا عن سمعته للبحث عن الوسائل الموصلة لتحقيق المثل العليا للإنسانية وهى . الزمالة العلمية بين أفراد النوع الإنساني وأممه، فإنه بهذا السعي يحقق غرضا أساسيا من الأغراض التي سعت إليها الأديان وعني بها الإسلام الذي أدين به، فقد نبه القرآن إلى وحدة الأبوين الموجبة للتعارف والتعاون والتناصر، والمبعدة عن التناكر والاختلاف والتخاذل ، ولم يقم وزنا لشرف المولد وكرم الجنس ، ووضع معياراً للتفاضل لم يعرفه الناس من قبل وهو تقوي الله وقال جل شأنه : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم...( ) .

وطلب القرآن إلي المسلمين إحسان معاشرة غيرهم من أهل الأديان والمذاهب إلا في حالة العدوان , وفي القرآن الكريم :< لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن يتولهم فأولئك هم الظالمون (سور الممتحنه )وقد عمل الرسول الأكرم صلوات الله عليه , وخلفاؤه الراشدون من بعده علي وفق هذه المبادئ السامية حتى أبيح الإصهار إلي أهل الكتاب مع ترك الحرية للزوجة وعدم منعها من شعائر دينها.

9-الزمالة بين رجال الدين يجب أن تسبق الزمالة العالمية .

وإذا ما كانت تلك الزمالة أملا مرجو التحقيق يتداعي لتنميته رجال الدين ، ويختلفون بذلك فى جد وحزم ، فمن الحزم إذن أن نعود إلى هذا الشعور الديني نستفيد من سيطرته على النفوس وسعة مداه وفطريته في البشرية لتبدأ منه خطتنا في تنمية الزمالة وأن يتعاون أهل الأديان جميعهم بما في الأديان من الشعور الديني المشترك بينها ، وبما فيها من الفضائل العلمية والغايات الاجتماعية الصالحة على تحقيق الغرض المرجو من تحقيق الزمالة وتنميتها وكل ما في الأديان مما يتعلق بالمجتمع البشري أسس صالحة ترمي إلى الخير ، وإلى أن يكون الفرد عضواً نافعا فى المجتمع ، يعاشر أخاه بالمعروف ، ويدفع عنه النوائب ، وتجعل أواصر المودة بين أفراد الإنسان واقعة تحت الرغبات الإلهية مطلوبة للخالق الحكيم الذي يحيي ويميت ويرزق ويغيث الملهوف والمضطر، ويعد بعد الموت حياة هنيئة لمن يعمل الصالحات .

والدعوة الى تنمية الشعور الديني المشترك : يجب أن تسبقها الزمالة بين رؤساء الأديان أنفسهم فهم أقدر من غيرهم على إدراك هذه المعاني السامية، وأولي الناس بأن يفهموا أن الخطر الذي يداهم الإنسانية ، لا يجئ من أديان المخالفين وإنما يجئ من الإلحاد ، ومن المذاهب التي تقدس المادة وتعبدها ، وتستهين بتعاليم الأديان ، وتعدها هزواً ولعبا.

10- الأغراض التي يسعي لها أهل الأديان :-

والأغراض التي أري أن يسعي لها أهل الأديان قسمان : معنوية– وعلمية .

الأغراض المعنوية : هي في الإجمال ، إزاحة العلل التي حالت دون تأثير الشعور الديني في تقريب ما بين الناس، وهي إما تلوثه بالشوائب المفرقة ، وإما تضعفه وتحلله.

فإن الناس بين رجلين :

أ ) رجل مؤمن قوي الإيمان ، يصلح إيمانه لمقاومة شرور الحياة لكنه منحرف عن الجادة تثور فيه عناصر الحقد على المخالف ، والكره له والتربص به، فهو في حاجة إلى توجيه إيمانه توجيها نافعا ، وإلى تنقية ذلك الإيمان من الشوائب ، وإلى فهم معني التدين فهما صحيحا خاليا من الأغراض البشرية المادية .

ب ) ورجل ضعيف إيمانه ، أو أفقر إيمانه منه ، وأكثر ما تري هذا بين الطبقات التي تسمي مستنيرة، ويدعوها الناس مثقفة. وسبب ذلك اصطدام الدين بالعلم التجريبي ، وما ثار بينهما من خلاف ، أو جنوح الفلسفة الأدبية إلى آراء فى الخير والفضائل العلمية ، وقفت بعض الأديان في سبيل الموافقة عليها، أو اتجاه الأبحاث الاجتماعية عن غايات الحياة إلى نواح لم يوافق الدين على ترسمها ، فكانت صلة العلم المادي والعمل الخلقي ، والغايات الاجتماعية بالحياة الفعلية قوة لأصحاب هذه الفروع على الدين وعلى انتهاك حرماته ، وكانت مقاومة رجال الدين لهؤلاء مقاومة غير رشيدة سببا في اتساع الهوة وجرأة المخالفة جرأة عصفت بالشعور الديني في قلوب أؤلئك المتعلمين ، بل وأضعفت هذا الشعور عند غيرهم .

وإذا كان الأمر هكذا فمن الواجب أن يتعاون أهل الأديان على تقوية الشعور الديني وإعادته يعمر القلوب ويملأ النفوس هيبة ورهبة من الله ، ورحمة ورفقا بعباد الله ، وعلى إعزاز مركز الأديان أمام العلم وأمام الفلسفة الأدبية والفلسفة الاجتماعية ، وأمام تيارات التقدم العقلي والتحرر الفكري ، ولا شك في أن تقويم هذا الشعور وإعزاز مركز الأديان يقي الحياة الإنسانية من خطر هؤلاء المستنيرين وقدرتهم حين تتحكم المادة وتقوي فيهم الرغبات غير الشريفة ، ثم إذا استطاع أهل الأديان كسب هؤلاء وإيجاد الشعور الديني في قلوبهم ، فإنهم يكونون قوة فعالة في تنمية وسائط الإخاء البشرى ذلك بقوة إحساسهم ودقة إدراكهم واستطاعتهم فهم ما في الأديان من معان روحية سامية مجردة عن المادة ، يصعب فهمها على أكثر العامة ممن لم يهذبهم العلم وتنر طريقهم الفلسفة 0

الأغراض العملية هي على الإجمال :جعل التدين أداة فعالة في تهذيب الجماعة ، وتمكين العوامل المعنوية التي تشترك فيها الأديان من التأثير في الحياة الإنسانية الواقعية ، وتصيير الفضائل العملية التي تدعو إليها الأديان كلها، نظما عمليه ، بذلك يقل فتك الشرور بالإنسانية في الأمم وتتقارب أنظارها ، وتدنو من الإخاء الإنساني بتقارب غاياتها وسلامة نفوسها 0

11- ومما يثير العجب ويضاعف الألم أن أهل الأديان يحشدون جهودهم ويعدون عدتهم لمقاتلة أسرفوا فيها وجعلتهم ضعفاء أمام عدوهم المشترك ، وسلكوا طرقا في التناحر مخالفة لأبسط قواعد المنطق ، مما جعلهم سخرية أمام العلماء وأمام الفلاسفة ، وجعل كل جهودهم عقيمة النتائج ، فقد تركوا التأثير على الإنسان من ناحية عقله ، الذي هو موضع الشرف وموطن العزة والكرامة ، واستعملوا طرق الإكراه والإغراء بالمال وغيره من الوسائل ، وركن بعضهم إلى القوى المادية للدول ، ونسوا أن الإيمان لايحل القلب بالإكراه وأن العلم لاينال إلا بالدليل ، ونسوا أن العدو جاد في إنزالهم من مكانهم اللائق بهم ، وأن شرور العالم تغمر الإنسانية وتطغى على ما بقى في النفوس من هيبة واحترام للنظم الإلهية ، وكان عليهم بدل هذا كله أن يتعاونوا على درء الخطر ، وان يحاربوا هذه الشهوات الجامحة ، وهذه الإباحية التي يئن منها العقلاء ، وهذه المادة المستحكمة التي تجر الويلات على الآمنين بين حين وآخر وتستعار لها أسماء كاذبة من المدنية والنظام والحرية 0

لكن ما الذي كان ينتظر غير هذا وعوامل التفريق تعمل فى أهل الأديان كما تعمل في وغيرهم وتقريهم زخارف الحياة الدنيا كما تغرى غيرهم ويحافظون على الجاه والرتب كما يحافظ عليها غيرهم ، ويفتري بعضهم على بعض في الدين كما يفترى غيرهم

لكن قبسا من النور لا يزال باقيا للمتقين ، وهو أن الله أرحم بعباده من أن يتركهم في هذه الشرور المتلاطمة أمواجها ، وأقدر على إيجاد الوسائل التي ترد الإنسان إلى مواطن الشرف والفضيلة، وأنتم موطن الأمل ومعقد الرجاء _ بعد الله تعالى _

الوسائل التي تتحقق بها الأغراض :

12- وسأعرض هنا لبعض الوسائل التي تساعد على تحقيق الغرض ، مكتفيا بالإجمال ، تارك التفاصيل لحضرات السادة أعضاء

المؤتمر والابتكارات المتجددة التي ينتجها التعاون الصادق بين الأعضاء وبين محبي الإنسانية 0

أ ) إيجاد هيئة تعمل على تنقية الشعور الديني من الضغائن والأحقاد، ولذلك وسائل منها:

1- توجيه الوعظ الديني في الأديان المختلفة إلى هذا الاتجاه الإنساني ، بالأساليب التي يقررها أهل كل دين لوعاظه 0

2- جمع كل ما في دين من المعاني الإنسانية السامية العامة من الرفق بالبشر والبر بهم ، من حيث هم أفراد من نوع الإنسان دون نظر إلى الفوارق الأخرى ، وإذاعة ذلك بمختلف الوسائل في مختلف اللغات 0

3- جعل الدعاية للأديان والتبشير بها قائمة على أساس عقلي محض ، وحب للحقيقة ورغبة صادقه في الوصول إليها ، مع البعد عن الاحتيال لذلك ، والاعتماد على وسائل غير بريئة في توجيه الاعتقاد والإغراء به , وقصر الجهد علي إبراز ما في الدين المدعو إليه من محاسن .

وذلك مثل ما جاء في إنجيل لوقا الإصحاح السادس:

(لكني أقول لكم أيها السامعون أحبوا أعداءكم , أحسنوا إلي مبغضيكم)(28) باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم (29) من ضربك علي خدك فأعرض له الآخر أيضاً , ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً(30) وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه(31) وكما تريدون أن يفعل الناس بكم , أفعلوا أيضاً بهم هكذا(32) وإن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم , فإن الخطاة أيضاً يحبون الذين يحبونهم(33) وإذا أحسنتم إلي الذين يحسنون إليكم, فأي فضل لكم , فإن الخطاة أيضاً يفعلون هكذا(34))

وهذه الهيئة تقدم بحسم كل إشكال ينشأ عن اعتداء الدعاة حسماً شريفاً نزيهاً صادق الرغبة في المسالمة .

ب – إيجاد هيئة تقوم بتقوية الشعور الديني وبخاصة في الطبقات المستنيرة فتعني بتأييد مركز تدين أمام البحث العلمي والتفكير الحر تأييداً يقوم علي احترام العقل وإعطائه حقه الكامل في البحث النزيه التماسا للمعرفة , فيعتمد هذا التأييد علي مقابلة الدليل بالدليل وعلي الإقناع بطرق الإقناع الصحيحة, مع البعد عن الوسائل الإرهابية والتضليل وعن الارتكان علي السلطة الروحية المستبدة , وبالجملة يبتعد عن الأخطاء الماضية التي دفعت الإنسانية ثمنها باهظاً مرهقاً.

شعب هذه الهيئة :

ويكون لهذه الهيئة شعب :

1-شعبة تحدد ما بين العلم التجريبي والدين من خلاف قائم أو خلاف يجد ، وتتبع ذلك فى الدوائر العلمية المختلفة ، وتتصدي لحسمه على أساس ما أسلفناه من حب للحقيقة وحرص عليها فى لباقة لا تدع الدين يجهر بما يخالف المحسوس المشاهد – وهذا لا يمكن أن يحدث بحال -.

2- وشعبة تحتفي بالآراء الخلقية وبيان الفضائل ، وما يكون من ذلك جائراً على الحياة المعنوية ، متاثراً بأغراض نهمه ومطامع شريرة، فتبحث ذلك فى عمق ودقة ، ويذاع منه الآراء المقنعه التي تنال تأييد المفكرين المخلصين ، وتحفظ على الحياة غاياتها النبيلة.

3- وشعبة تتبع الدراسات الاجتماعية وما ترسمها مذاهبها من غايات للحياة وأساليب فيها كالاشتراكية والشيوعية وما إلى ذلك تبين منها موضع الخير وناحية الحق، وتكشف عن موضع الهوي الجامح والرغبة النهمه المفسدة لشرف الغرض من الحياة.كل ذلك يذاع فى الأسلوب الصحيح ليعرف الناس الرأي الصالح مؤيدا بالبرهان ، موفقا بينه وبين التدين ، مراعي فى كل ذلك وجه الله ووجه الحق ، ووجه الخير للإنسانية .

رجال الدين الحق لا يطمحون إلى الحكم ولا إلى رغبات مادية.

13- ونظراً لأن الإنسانية قد نالها عسف كثير نري بحق أو بغير حق أن سببه السلطة الروحية وأصحابها ، فمن الحق أن تظفر بالطمأنينة الكاملة من هذا الخطر ، لتدع للتدين ورجال الدين أن يعملوا على إسعادها. وأري أن تؤكد الوحدة الدينية قولا وعملا ، وأن تجد فى إقناع الأجيال الحاضرة بأن رجال الدين لا يطمحون إلى رغبات مادية ولا إلى سيطرة الحكم والجاه والنفوذ، وإنهم إنما يشاركون فى الحياة بمقدار ما يتمكنون من أداء رسالتهم الكريمة لإسعاد الإنسانية وترفيهها وصيانة معنوياتها الملائمة لشرفها ، وأنهم قوام على تفسير الناموس الإلهي بالحق والدعوة إليه ، ليس لهم من الأمر شئ ، ثم تحافظ على ذلك أشد المحافظة، وتقوم من يشد عن هذا المبدأ ويخالفه.إذ ذاك تستفيد الأجيال الحاضرة والأجيال المقبلة ، وتفسح الطريق للقوة الدينية لتعمل على الإخاء الإنساني وتكتسب المبادئ الدينية والفضائل الخلقية والمعاني الاجتماعية السامية بوحدة الأساليب العلمية التي تتصوبها المذاهب والآراء الصالحة سلطة عملية تمكن من السعي إلى حماية النظم والقوانين ووضعها بحيث تحمل الأصول الصالحة.

وكما يعمل أصحاب المذاهب الاجتماعية على توجيه التشريع إلى تأييد مبادئهم وقواعدهم ، يجب أن يعمل أهل الأديان على توجيه التشريع إلى تأييد الأصول العامة المشتركة فى الأديان فيقاوم الزنا ويحمي الأسرة، ويعاقب على الكذب والغيبة والنميمة والدس والوقيعة ، ولو لم تصور فى جرائم مادية ، وتحد الحرية فى التمتع وأسباب الشهوات ، وتحرم المنافسة غير الشريفة ، وتراقب المكاسب المادية ، ويحرم الخبيث منها، ويعاقب على الجشع والخداع والتغرير إلى غير ذلك مما جاءت به الأديان لاستئصال شروره، وتطهر الإنسانية من أدناسه – إن لم يكن ذلك كله ساء التطبيق ، وانحرفت وجهة التدين أو ضعفت ، بحيث لم تستطع مقاومة الذين لا ضمائر لهم والذين خلت قلوبهم من رهبة الله ورحمة عباده.

14- ابتعاد رجال الدين عن السياسة أمان للدين نفسه:

وما من شك في أنّ وحدة رجال الدين وفروعها المختلفة ستبتكر علي يد رجالها الذين يزين الإيمان قلوبهم وتطمئن نفوسهم روحانية الدين الصادقة وسائل فعّاله لهذه الأغراض, ولكن يجب ألا ننسي أنّ تلك الوسائل ينبغي أن تكون بعيدة عن التدخل في أصول السياسة والاصطدام بها , وأن تعتمد علي تأييد الجماعات وتنمية الشعور الديني والشعور بالفضيلة وعلي إنماء روح الكرة لما يغمر العالم الآن من المفاسد والشرور التي نزّلت بالإنسانية إلي مستوي منحط لا يفكر في غير قضاء الشهوات وسد حاجة الغرائز البهيمية وإشباع نهم القوي الشرسة وصفات العدوان.

15-المطلب نبيل والخطب جليل:

وذلك مارأيته لتنمية الزمالة العلمية , وقد قام علي أساسين صحيحين , وهذه الوسائل وإن كانت دقيقه فهي ممكنه وفعّاله , وإن كانت تحتاج إلي جهد ودأب طويلين , لكن المطلب نبيل والخطب جليل أن الإسلام ليمنحها تأييده القوي.

وفي أصول الإسلام أقوي الدعائم التي ترتكز عليها الفكرة, فهو يقرر أنه(لا إكراه في الدين) ويقول للرسول صلوات الله وسلامه عليه : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( ) . ويقرر أنّ الدعوة إلي الله تكون بالحكمة والموعظة الحسنة .

 أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ( ) .

ويقول الله تعالي ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر  ( ) .

ويحث علي البر والرحمة وعلي مواساة الضعفاء والفقراء , بل وعلي الرفق بالبهائم حتى جعل نفقة البهيمة الضالة واجبة في بيت المال ، وجعل للفقراء حقا لازما مفروضا في أموال الأغنياء، وجعل الجناية على نفس واحدة جناية على الإنسانية ، ووضع قواعد صارمة للاهتمام بالنظام

ولا أطيل عليكم أيها السادة 0 فليس من غرضي ولا من غرضكم شرح أصول الإسلام وعرض مبادئه ، ولكن بما ذكرته أردت لفت نظرحضراتكم إلى أن الغرض الشريف الذي تسعون إليه لاينال إلا في قواعد الإسلام العام

16- وإني أيها السادة في ختام كلمتي هذه أبتهل إلى الله تعالى أن يؤيدكم فيما تسعون إليه من خير للإنسانية ، وأن ينير لكم الطريق ويهديكم سواء السبيل ( ) .

التعليق على هذا البحث الذي أرسله المراغى رحمه الله إلى مؤتمر الأديان :

أولا :احترام فضيلة الإمام للدعوة ومن وجهها إليه دون من أو تعال أوضيق نفس من الأخر ، وذلك بوصف الداعين له بالسيادة والدعاء. اقتداء برسول الله  الذي كان يحترم الإنسان طالما أنه يدعو إلى مكارم الأخلاق حتى وإن كان على غير دينه كما صنع بابنة حاتم الطائي وقال لأصحابه :إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ويحب البذل والعطاء.

وهذا كان من شأن الأصحاب الأوفياء والعلماء الأجلاء الذين عاصرت منهم شيخنا وأستاذنا الدكتور محمد بن محمد أبا شبهة الذي كان من الأصفياء. والأستاذ الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الذي كان يدعو إلى المحبة والإخاء 0 وكذا من جاء بعده من شيوخ الأزهر الفضلاء وعلي رأسهم فضيلة الأمام الراحل د/ محمد سيد طنطاوي – الذي كان ينادي بالوسطية التي اعتنقها من القرآن والسنة , شأنه في ذلك شأن العقلاء الذين يبثون الحب والأمل بين جميع الناس في كل الأنحاء لا يريدون إلا عيش العالم في أمن وسلام لا يشوبهم تعب أو عناء.

وكذلك الشأن في إمامنا المعاصر الأستاذ الدكتور / أحمد الطيب – صاحب القلب الطيب والعقيدة السمحاء . الذي ينادي بأدبه المعهود وزهده الذي فاق فيه قرناءه ولا يضيق زرعاً بأحد وإن باينه في العقيدة أقول: ينادي بالحوار البناء بين أبناء الدنيا حتى لا يصير من بعدهم من التعساء.

أولاً: إنّ فكرة الزمالة, ليست نظرية فلسفية, بل هي فطرة إنسانية فطرت عليها , كما قال الحق جل وعلي :( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) . ( ) .

هذه الزمالة تشمل العلماء والعوام والأمم جميعاً , وذلك لأن العلماء إذا ما تسامحوا وفعلوا النصوص علي أنفسهم وذويهم أقتدي بهم العوام من الناس في كل أمة من الأمم وشاع الحب بينهم ومن هنا تكون النتيجة المرجوة من تحقيق الأمن والرخاء الاقتصادي والتقدم الحضاري والبناء والتعمير, وبذلك فلا مكان لعابث ولا دور لفوضوي, ولا ملجأ لخائن ولا غياب لعدالة, ولا تواجد لعنف أو إرهاب, ولا تعالي من فريق علي آخر, ولا من أمّة علي مثلها أو حتى دونها, وذلك لأنّ كل ما قلناه يدعو إلي حل كل المعضلات , لأنّ التاريخ علّمنا أنّ القوة الفاشية لا تحل المشكلات بل تزيدها اشتعالاً وتضرمها ضغائن وأحقاداً قال تعالى :  ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض . ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون  ( ) .

ثانياً: تفرق الناس أمور طبيعية ، إذ إنهم مركبون من غرائز وشهوات، وكذلك اختلاف المذاهب والديانات ، ولكن الشرائع السماوية بما فيها من نصوص الخير قادرة على تهذيب النفوس وتطهير الوجدان لو خلصت النوايا، وأصبح العلماء والمسئولون مثل ما كان عليه الأوائل من إيمان بأن كل شئ عند الله بقدر وأن الإنسان لا يفوته شئ كتب له عند الله تعالى قبل أن يوجده مخلوقا سويا وكائنا بشريا  ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا  ( ) .

ثالثاً: الإسلام والغرب حوار وتواصل :

في 3 من يناير عام 2009م. أقيم حفل المؤتمر العالمي للرابطة العالمية لخريجي الأزهر والذي مؤلف هذا الكتاب عضو فى الرابطة العالمية، ألقي المؤلف فيها كلمة وفحواها أن الإنسانية أبناء رجل واحد وامرأة واحدة ومن هذا المبدأ فرابطة الأخوة تحتم على المجتمع البشري تعزيز هذه الرابطة بالتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان ، وأن يكون التسامح عنوانها والبر سبيلها وطريقها انطلاقا من قوله تعالى ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ) . وقوله سبحانه  وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب  ( ) وأعقب هذه الكلمة المسجلة كلمة معالي الأستاذ الدكتور / محمود حمدي زقزوق – وزير الأوقاف المصري وأحد علماء الأزهر الذين ينادون بالوسطية والاعتدال.

يقول الوزير : العلاقة بين الإسلام والغرب علاقة قديمة ومتجددة حتى وإن تأرجحت هذه العلاقة بين مد وجزر وصعود وهبوط وحرب وسلم.

ومن هنا أقول : إنّ تلك العلاقة ترجع إلي قدم الإسلام ذاته وذلك في وقت لم يكن قد حدث فيه أي لقاء بين الجانبين , ولكن البداية كانت علي كل حال مبشرة بعلاقات طيبة مستقبلية علي الأقل من جانب المسلمين . فقد أبدي المسلمون قبل الهجرة تعاطفهم مع الروم المسيحيين عندما نشبت الحرب بينهم وبين الفرس الوثنيين , وانتهت بانتصار الفرس علي الروم , ووقتها فرح مشركوا مكة, لأنّ الفرس كانوا وثنيين مثلهم, وحزن المسلمون , لأنّ الروم أهل كتاب مثلهم وهم أقرب إلي المسلمين وتجرأ المشركون على المسلمين وقالوا لهم : " إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب 0 ونحن لا نؤمن بكليكما ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظرهن عليكم " كما انتصرت فارس على الروم 0

وهنا نزل ما يبشر المسلمين بأنهم سيفرحون بنصر إخوانهم المسيحيين ولكن بعد حين , وجاء النصر بعد تسع سنين وأنزل الله تعالي أول الروم قال تعالي:( آلم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.) ( )

إن ما يجمع بين المسلمين والمسيحيين أكثر مما يفرق. وقد أكد هذه الحقيقة أيضا الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا في محاضراته عام 1993 م في مركز " أكسفورد " للدراسات الإسلامية حين قال : ( إن الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا في جميع مجالات البحث الإنساني ، وقد ساهم في إنشاء أوروبا المعاصرة ، إنه من تراثنا وليس شيئا منفصلاً عنه 0 )

وفى السياق ذاته يقول : (روبين كوك ) وزير خارجية بريطانيا الراحل في محاضرة له في المركز الإسماعيلى في لندن عام 1998 م :( إن جذور ثقافتنا ليست يونانية ورومانية الأصل فحسب بل هي إسلامية أيضا 000 وثقافتنا مدينة للإسلام بدين يجب على الغرب ألا ينساه ... فإن الشيء الكثير من أسس حضارتنا يعود الفضل فيه إلى العالم الإسلامي 0

وعلي الرغم من كون البحر الأبيض المتوسط يفصل بين الشعوب الأوروبية والشعوب العربية والإسلامية التي تعيش علي شاطئيه , فإنه في الوقت نفسه كان دائماً حلقة وصل وجسراً للتلاقي بين الجانبين , رغم ما شاب هذه العلاقات في فترات مختلفة من حروب وصدامات عسكرية ولكن دعاة صدام الحضارات ينسون حقائق التاريخ وينادون بالحرب والدمار، والإسلام – في نظرهم- هو العدو الأخضر بعد زوال صورة العدو الأحمر وكم سمعنا من تصريحات علنية وأخري خفية بأن الغرب ضد بقية العالم ، والمسلمون هم المراودون، كما سمعنا التلميح بحرب صليبية ضد الإسلام بوصفها الوسيلة الوحيدة لحل جميع المشكلات ، ومرة أخري يتم العثور على كبش فداء لتحميله كل آثام، فبالأمس كان استهداف اليهود ، واليوم يتم استهداف المسلمين ، وأصبح من يملك القوة يستأثر بالحق ""ومن ليس معنا فهو ضدنا"" فهل يمكن أن تكون هناك رسالة أكثر وضوحا من ذلك؟ إن المنادين بالصدام بين الحضارات يعتمدون على اختلاف الثقافات والأديان وأنه لا تلاقي أبداً ، ولكن ذلك عبث لأن الثقافة الحقة والشرائع السماوية ضد أولئك تماما.فالقرآن يبين رغم هذه الاختلافات أن البشرية وإن اختلفت شرائعهم مخلوقون للتعارف والتآلف والتعاون في كل ما من شأنه أن يعود بالخير على الجميع قال تعالى

 يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.....  ( ) يضاف إلى ذلك أن عالم اليوم ليس كعالم الأمس لأن الناس اليوم يعيشون بعضهم مع بعض ومن هنا فعلينا بل وخير لنا جميعا أن ننطلق من القواسم المشتركة التي تجمعنا ومن الأوضاع المشتركة التي تجمعنا ومن الأوضاع المشتركة على وجه الخصوص . فمثلا إذا نشب حريق في بعض البيوت فإننا مطالبون أفراداً وجماعة أن نسعى سعيا حثيثا على أن نطفئ هذا الحريق دون السؤال عمن فيه بل نعمل على ألا تنتشر هذه النار في البيوت المجاورة.

وهذا هو موقف الإسلام الذي دعا إلى التضامن من بين البشر جميعا من أجل درء الأخطار التي تهدد العالم الذي نعيش فيه والذي هو عالمنا جميعا .

وفى هذا الصدد يصور النبي  البشرية كلها وقد اجتمعت فى سفينة بعضهم في أعلاها، وبعضهم في أسفلها ، إذا احتاجوا إلى الماء ، صعدوا إلى أعلى السفينة ، وقد تعبوا من الصعود والهبوط ومضايقة الآخرين، وتفاديا لذلك كله فكروا في إحداث خرق في أسفل السفينة يستقون منه حاجتهم من الماء، الأمر الذي يهدد السفينة وكل من فيها بهلاك محقق. يقول   مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا :- لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا :فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا  ( ) ومن ثم فإن حروب من سبقنا كانت محدودة ، قد تكون بين بلدين أو أبناء البلد الواحد ، أما اليوم فالحرب مدمرة للعالم كله أو تؤثر تأثيراً سلبيا على جميع شعوب العالم.ولذلك فلن نستطيع البحث عن سبيل لحل المشكلات المشتركة إلا إذا تخلينا عن الأحكام المسبقة القديمة ، وأن يحترم كل منا الآخر ويحترم ثقافته وموروثاته الحضارية.

والأمر الذي يجب التأكيد عليه أن اختلاف الديانات والثقافات لا يمثل عقبة فى سبيل التفاهم المشترك، فنحن المسلمين في حاجة إلى الآخر ، كما أن الآخر في حاجة إلينا. والآخر لا يمثل مشكلة بالنسبة لنا ، كما كان يقول :( سارتر ) وإنما يمثل في حقيقة الأمر فرصة ثرية تؤكد لدينا قيم التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل , وبالتالي تكون هناك فرصة لحل المشكلات المشتركة. وهذا كله لا بد أن يبني علي الثقة بين الشرق والغرب , لإ جراء حوار مثمر , ولا يجوز أن ينظر إلي الإسلام بأنه دين إرهاب وعنف فالإرهاب ظاهرة عالمية , فهم في الشرق موجودون وكذلك في الغرب إلا أنهم قلة قليلة.

ومن ثم فإنّ لجوء الغرب إلي معايير مزدوجة , والكيل بمكيالين في تعامله مع قضايا العالم الإسلامي وبخاصة في الشرق الأوسط فهذه النظرة تقلق العالم الإسلامي، وبخاصة إشعال حروب في المنطقة بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي حين أن هذه القيم ينبغي أن تنبع من الداخل ولا يمكن فرضها بالعنف .

يؤيد ما ذهبنا إليه شهادة أحد أساتذة اللاهوت المشهورين ليس في ألمانيا فقط، بل في العالم ، والذي أصدر ثلاثة مجلدات كبيرة درس فيها اليهودية والمسيحية والإسلام. هذا الأستاذ هو : (هانزكونج) الذي يقول في محاضرة له منذ سنوات قليلة في مدينة (فرايبورج) الألمانية : لا توجد دولة إسلامية حتى الآن قامت بالاعتداء على دولة غربية، ولكن العكس هو الصحيح ، وهذا من وجهة النظر الإسلامية يظهر الغرب في صورة المعتدي.

ويقول عالم الإسلاميات المعروف(فريتش) في كتاب له بعنوان:"الإسلام شريكا".

إنّ الإسلام لا يشكل تهديداً للعالم, ولكن الكثيرين من المسلمين يشعرون بأنهم مهددون في عالمنا , ومن الممكن والحال كذلك أن تنبثق عن هذا الشعور تصرفات رعناء وعدوانية, وإذا كانت الأصولية في العالم الإسلامي يُنظر إليها علي أنها رد فعل حيال موقف تاريخي فلا ينبغي لنا أن نتوقع أنها ستفقد شيئاً من أهميتها قبل أن يتغير هذا الموقف من أساسه.

أود أن أقتبس كلمات حكيمة للأستاذ(هانز كونج) وذلك في قوله:(لن يكون هناك سلام بين الأمم إلا إذا كان هناك سلام بين الأديان , ولن يكون هناك سلام بين الأديان إلا إذا كان هناك حوار بين الأديان , ولن يستقيم حوار بين الأديان إلا إذا كان هناك فهم حقيقي لأصول هذه الأديان ) . ولا يجوز أن يغيب عن الأذهان في رحلة البحث عن السلام عن طريق الحوار والتواصل , أن يضع كل من الجانبين في اعتباره مصلحة الأجيال الجديدة التي هي مستقبلنا جميعاً , ونظراً لأنه لم يكن لهذه الأجيال أي ذنب فيما يحدث في الماضي من آثام وحروب وتدمير فإنهم يستحقون منا أن نتيح لهم فرصة النجاة والبقاء وبالتالي نتيح الفرصة للسلام والاستقرار, وبذلك نصنع دوائر سلام تتزايد مساحتها باستمرار ( ).

خامسا: أعتقد أن هذا العنصر بنتائحه هو هو بمثابة خاتمة لهذا الكتاب الذي أردت من وراء كتابته أن أبين للناس أن الشرائع السماوية الحقة إنما تعني بالعقيدة الصافية التي تحض على مكارم الأخلاق تجاه الآخرين مهما تنوعت الثقافات وتعددت المذاهب والمشارب ومن هنا أقول .

1-إن الإسلام كدين سماوي يعني بجوهر الإنسان ومخبره على حد سواء . معتبراً أن الجوهر هو القيمة العليا التي ترقي بصاحبها إلى قمة الأخلاق التي يعيش بها الإنسان فى كل مجتمع ناشراً الخير والإحسان إلى الكائن الحي بل إلى الجماد قال تعالى:  وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما  ( )وما علاقة إبراهيم النبي عليه السلام بأبيه المارق عن دعوته إلا دليل على ذلك من رعاية حق الأب حتي وإن كان على غير دينه.

قال تعالى واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا . إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا . يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا . يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا. يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا. قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا . قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا.... ( ).

2- الإسلام يهتم بالإنسان بدنا وروحا، ومن أجل ذلك هذبه بناء وروحا ووجه غرائزة وكيف وأين يستغل هذه الغرائز وما هو المشروع منها. وغير المشروع ؟ وكيف يتعامل مع من يسيئ إليه ويقف في طريقه، وكيف يعالج كل القضايا المماثلة من حقد وجفاء أو تنطع وكبرياء إلى غير ذلك . يقول تعالى  ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم  ( ).

لما عفوت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسـي من هم العداوات

إني أحيي عدوي عند رؤيتـه

لأدفـع الشـر عنـي بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه

كأنـه قد حشـا قلبـي محبات

ولست أسلم من خل يخالطني

فكيف أسلـم من أهـل العداوات

الناس داء وداء الناس قربهمو

وفى اعتزا لهم قطع المودات( ).

 
3- العيب ينالنا كبشر وليس فى مكارم الأخلاق التى جاءت بها الشرائع السماوية أى خلل أونقص ، وإنما يوجه العتاب إلى الذين غضوا الطرف عن الوحي السماوي ، أو تلاعبوا بآدابه ومحاسنه وفسروا النصوص خضوعا للهوي وميلا إلى الترف والمجون ، ولذلك فإن العقاب من جنس العمل، فأصبحت دنيا الناس هما ، فلا راحة فيها لحاكم أو محكوم ، ولا طعم لها عند من ملكها أو منعها ، فالكل –إلا من رحم ربك – فى هم ووجل وخوف والعالم يسير نحو الهاوية، ولا يعلم أن الجزاء من جنس العمل . كما أعلمناه الله تعالى فى كل شرائعة المنزله على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام قال تعالى  ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكي ونحشره يوم القيامة أعمي. قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقي.  ( ).

نعيـب زمـاننا والعيــب فينـا

ومـا لزماننـــا عيب سوانـا

وقـد نهجوا لزمـان بغير جـرم

ولو نطق الزمان به هجانا ( ).

ديانتنــا التصنــع والترائـي

فنحن به نخادع من يرانا ( ).

وليــس الذئب يأكـل لحم ذئب

ويأكــل بعضنا بعضــا عيانا

لبسنـا للخـداع مسوك ضــأن

فويل للمغير إذا أتانا ( ).( ).

4-إن الإسلام شرع مبدأ المواطنة والانتماء فالكل لله مخلوق وللصانع مربوب . قال تعالى  والأرض وضعها للأنام ( ).وعلى ذلك نهج رسول الإسلام وإليه دعا ، فأمن اليهود فى المدينة واعتبرهم مواطنين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ما لم يخونوا أو يغدروا ، وقد فعلوا كعهدهم كل ما فيه خيانة للدولة ، وتعتبره دول اليوم خيانة عظمي فكان ما كان من إخراجهم من المدينة ، لأنهم أصبحوا لا ولاءلهم ولا عهد عندهم ولا احترام منهم للمواثيق والعهود. قال تعالى  هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم لأول الحشر ما ظنتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ...  ( ).

5- يقول الدكتور زقزوق : لا شك أن هناك – على كلا الجانبين فرقا- لا يهمها استقرار مصر, وتحاول بكل الوسائل إشاعة البلبلة والتركيز على ماتسميه الفتنة الطائفية و تفسيراً لأي خلاف صغير يقع بين مسلم ومسيحي علي أمر دنيوي لا صلة له بالعقيدة , وهذه العناصر المشار إليها لا تقتصر علي الداخل فقط , بل هناك عناصر في الخارج تعمل أيضاً علي إشاعة هذا"التوتر الطائفي" الذي هو غريب علي مصر وعلي شعبها الذي عاش منذ أربعة عشر قرنا من الزمان فى ظل المواطنة التي نحرص عليها جميعا ..... ثم يقول : ونحن جميعا فى مصر – مسلمين وأقباطا- مطالبون بالعمل على مواجهة هذه الموجة فى الداخل والخارج بالحكمة والتعقل بالتوعية السليمة التي تبين أننا جميعا مستهدفون ، وأن الأخطار التي تواجهها مصرنا العزيزة، هي أخطار تواجه الجميع الذين ينبغي عليهم أن يكونوا يداً واحدة وصفا واحداً فى مواجهة كل الأخطار التي تتعرض لها مصر . وإنني لعلي يقين من أن مصر سوف تتغلب على كل ما يواجهنا من أخطار بفضل يقظة أبنائها وإخلاصهم لوطنهم حتي يمكن وأد كل محاولة خبيثة فى مهدها.

إن مصر أمانة فى أعناقنا جميعا، وعلينا أن نصد عنها كيد الكائدين وأن نضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار.... ومصر كما يقول البابا شنودة دائما : وطن يعيش فينا ، وليست وطنا نعيش فيه. ( ).

6-إن الولاء والانتماء والمواطنة من القضايا المهمة التي ينبغي مزيداً من الاهتمام بها ، لأنها تعبر عن صلة الإنسان بالأرض والتاريخ كما أنها تتضمن معاني الأحاسيس والمشاعر المختلفة ، كما أن حب الوطن يجب أن يكون كامنا فى الأعماق لا أقوالا تقال أو خطبا تلقي هنا وهناك ، باعتباره الملاذ الآمن والحلم الأبدي للاستقرار . كما يجب أن يلتزم الجميع ويؤمن بحقوق المواطنة وأنها فوق أيه توجهات ذاتية أو طائفية .

7-إن التماسك الأجتماعي من أكبر الأسباب من أجل تحقيق الأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي ، ولن يتحقق كل ذلك إلا بإحساس كل فرد بالمسئولية تجاه الآخر ، وأن يحل الحوار ولغته الجميله محل التنابذ وطرقه الوبيلة ، وأن تكون القيم الدينية منارة هادية تضيئ للإنسان طريقة إلى غاية كريمة ، بحيث يصبح الكل راعيا ومسئولا عن رعيته.

8-إن القول الجميل والصفح الجميل والتسامح فضلاً عن كون هذه الصفات قيما إنسانية إلا أنها فى الوقت نفسه مطالب تربوية ملازمة للوجود الإنساني . وذلك باعتبار أن الله تعالى قد خلق الوجود الإنساني متنوعا وليس متطابقا أو متماثلا ، ومن ثم فإن التحلي بتلك الصفات يدعم العطاء الإنساني، ويقوي أواصر العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأفراد والجماعات ، وبهذا تنعدم أساليب التعصب والفرقة فى كل مجالات الحياة ( ).

9-إن الحوار بين العلماء والآخرين لا بد أن يكون المحاور والمحاور على درجة من الفطنة والذكاء وأن يكون المحاور ملما بالقضية المحاور عليها وأن تكون مؤهلاته العلمية ترقي به إلى درجة يترتب عليها ما فيه نفع للبشرية لا ما يولد العصبية ويدعو الى النعرة الجاهلية التي ينتج عنها من البلايا وعظائم الأمور ما يبيد الإنسانية ، ويفتك بالبشرية وفى الجانب الآخر يأتي دور المحاور – بفتح الواو الذي يجب أن يكون كذلك ، مع اتساع صدره وعدم الضيق بالآخر حتي وإن خرج على مقتضيات آداب الحوار، لأن كلا منهما فى امتحان ونتيجة هذا الامتحان ستترتب عليها نتائج ، الكل يريدها وإليك مثالا على محاورة جرت بين عتبة بن ربيعة الذي لا يدين بدين الإسلام وبين سيد الخلق نبي الإسلام  يقول عتبة للرسول  : يا محمد إني عارض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها ؟ قال النبي  : قل يا عم أسمع؟ فعرض عليه ما عرض من مغريات مذكورة في كتب السيرة والمسانيد... والمهم: أنه قبل حواره واحترمه بقوله له : قل يا عم أسمع ونزل من القرآن ما يؤيد النبي من آيات، نصت على ذلك سورة فصلت فى قوله تعالي  حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت ءاياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون . بشيراً ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقرو من بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون .......... ( ). حتى وصل إلى تلاوة قوله :  فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة ....  وهنا قال عتبة : ناشدتك الله والرحم ألاً تتم ما تقرأ على ، وذلك خوفا من نزول ما توعد به القرآن المخالفين وعلى كل فإن الله تعالى هو الذي خلق الخلق هكذا مختلفين إلا من رحم فلو شاء جعل الناس أمة واحدة ، ولو أراد جعلهم على ملة واحدة ولكنه سبحانه:  فعال لما يريد  ( ).وعلى البشر أن يتقوا الله وأن يعلموا أن الكون كونه والأمر أمره . والعقائد يحاسب الله الناس عليها وحده فلكل عقيدته. وليتعاون أصحاب الشرائع فى القواسم المشتركة ليرفعوا من شأن بلادهم وأوطانهم بدلا من هذه المهاترات وليكن لهم اقتداء بالدول المتحدة كالصين والهند واليابان الذين غزو الكون بالصناعة والتقنيات الحديثة ، وطبقوا شرائع السماء دون أن يعرفوا عنها شيئا فاتقوا الله في أوطانكم وثوبوا إلى رشدكم فإن العالم يعمل كثيراً ويتكلم قليلا.

قال الشافعي رحمه الله

ما شئـت كــان وإن لم أشـأ

وما شئت إن لم تشـأ لم يكـن

خلقـت العبـاد على ما عملـت

ففي العلم يجري الفتـي والمسن

فمنـهم شقـي ومنهـم سعيـد

ومنهـم قبيـح ومنهـم حسـن

على ذا مننت وهــذا خـذلـت

وذاك أعنــت وذا لــم تعـن

فى هذه الأبيات مناجاة من الإمام الشافعي لله سبحانه وتعالى يبين فيها أنّ كل شيء بيده, فلا مشيئة مطلقة إلا مشيئته وهو الخلاق العليم الذي خلق هذا شقياً وذاك سعيداً , وهذا ممتنا عليه وذاك مخذولا ،وذالك معانا وهذا مخذولا. ( ). و ".


فهرس الكتاب

الرقم البـيـــان صفحة

1 إهــــــــداء

2 شـــــكر وتقدير

3 المقدمة 1

4 الفائدة في تذكير البشرية بأنهم مخلوقون من أب واحد 3



5 الرسول الخاتم وصلته بأنصار المسيح 5

6 الرسول الخاتم يكرمه مسيحي على أرض الطائف 11

7 المسيحية تكرم أصحاب الرسول على أرض الحبشة 13



8 النجاشي المسيحي خير مدافع عن الرسول وأصحابه 14

9 الجزاء من جنس العمل منهج أسلامي 17

10 الصف الثاني الحكام والأمراء 31

11 الأمر الثالث من هذه العشر 34

12 الأمر الرابع من العشرة أوامر 38

13 وخامس تلك الجمل المستقلة 49

14 وإليك أيها القارئ الكريم بعض النماذج 54

15 عمر بن الخطاب من علماء الآخرة 60

16 الإسلام أول من طبق حق المواطنة 62

17 حول حقوق غير المسلمين 65

18 النوع الأول : المسلم المقتول خطأ 80

19 النوع الثاني : المسلم المقتول خطأ وأولياؤه 83

20 النوع الثالث :المقتول خطأ من أهل الذمة 84

21 نهاية المطاف وحكم من لم يجد الرقبة 86

22 توبة من الله وكان الله عليما حكيما 86

23 لا طبقية في الإسلام 87

24 وسادس تلك الكلمات العشر 97

25 فأسباب جهاد المسلمين تنحصر في هذه الأمور 107

26 الظلم الذي كان وما يزال 107

27 ومن الأسباب التي أمر المسلمون بالجهاد 110

28 نزاع الأقليات المسلمة مع الآخر 113

29 لغير المسلم مقاضاة حاكم المسلمين 115

30 نصراني يقاضي الرشيد أمير المؤمنين 118

31 وسابع تلك الكلمات المحكمات 120

32 وثامن تلك الكلمات العشر 123

33 مع كتاب مؤلفه ضيق الأفق 126

34 الجملتان المحكمتان من آية الشورى 133

35 أولا : كلمة الرئيس مبارك 134

36 ثانيا: كلمة الإمام الراحل شيخ الأزهر 139

37 ثالثا: كلمة قداسة الأنبا شنودة 143

38 صور من تسامح المسيحيين 146

39 أولا : الدكتور نظمي لوقا 148

40 وصف دقيق لشمائل الرسول 148

41 ثانيا: شهادة الدكتور نبيل لوقا بباوي 149

42 شهادة وتسامح أبينا بانوب 150

43 نتيجة هذا التسامح من الأنبا بانوب 151

44 رابعا : موقف المسيحيين من مؤلف هذا الكتاب 152

45 شهادة بعض مسيحيي الغرب 154

46 عتاب لعلماء الأديان 158

47 الأول: اعلموا جميعا يا علماء كل ملة 158

48 والعتاب الثاني لعلماء الإسلام 164

49 تحول وتراجع 166

50 أسباب ذلك التراجع 166

51 ما الذي ترتب على ذلك ونتج 174

52 المؤتمر العالمي للأديان في لندن 183

53 كلمة التحية للمؤتمر 184

54 فكرة الزمالة طبيعية 185

55 أسباب التفرق طبيعية 185

56 التدين هو الدواء 186

57 الاعتقاد بالحياة الأخرى يدفع الإنسان لعمل الخير 187

58 خوف الله هو المهيمن على عمل الإنسان 187

59 غلبة واقعية الحياة على مثالية الدين سبب البلاء 188

60 الانحراف في اتجاه الشعور الديني 89

61 وحدة الأبوين موجبة للتعارف 190

62 الزمالة بين رجال الدين 191

63 الأغراض التي يسعي لها أهل الأديان 192

64 الأغراض العلمية على الإجمال 194

65 الوسائل التي تتحقق بها الأغراض 196

66 رجال الدين الحق لا يطمحون إلى الحكم 199

67 ابتعاد رجال الدين عن السياسة أمان للدين نفسه 200

68 المطلب نبيل والخطب جليل 201

69 التعليق على هذا البحث الذي أرسله المراغي 203

70 أولا :احترام فضيلة الإمام للدعوة 203

71 ثانيا : إن فكرة الزمالة ليست نظرية فلسفية 204

72 ثالثا : تفرق الناس أمور طبيعية 205

73 رابعا: الإسلام والغرب حوار وتواصل 206

74 خامسا: أعتقد أن هذا العنصر بنتائجه هو بمثابة خاتمة لهذا الكتاب 214


هــذا هـــو إسـلامنــا تأليف

أ.د/ محمود مهني محمود الخولي

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق

وعضو بمجمع البحوث الإسلامية