السبت، 6 نوفمبر 2010

علاقة الإسلام بالأخر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن الصراع الدائر اليم في العالم يدور بين أصحاب الأديان السماوية الثلاثة ، بينما غيرهم يتقدمون ويبنون ويعمرون ، فهم في الأساس يخربون رغم أنهم أصحاب شرائع سماوية جاء به رسل عظام أمثال إبراهيم وموسى وعيسى الذين نشروا الأمن والأمان في ربوع العالمين ، وأمروا أقوامهم ببث ونشر السلام ، فهذا إبراهيم عليه السلام بعد أن يدعو أباه إلى الدخول في دينه بإسلوب راق ، ولفظ مهذب قائلاً له : يا أبتِ يا أبتِ يا أبتِ ، كما قصت علينا سورة مريم ، نرى أباه يرد عليه بغلظة وقسة فيقول له كما حكى القرآن الكريم { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) } سورة مريم ،
ويتزوج إبراهيم ويتناسل منه الأنبياء ، اسماعيل واسحاق ، ويصير اسماعيل أبا العرب ، واسحاق أباً لليهود ، وعن طريق اسماعيل يأتي العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وينشأ نشأة فريدة في نوعها ، لم يسجد لصنم قط ، ولم يفعل ما كان يفعله الجاهلون ، بل كان يعبد الله على دين أبيه إبراهيم حتى جاءه الوحي في غار حراء ، وكان ما كان من نزول القرآن وامره صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله بشيراً ونذيراً للعالمين ، فكذبه قومه ، وأشتد الألم عليه وعلى أصحابه ، وبعد موت ناصره عمه أبى طالب وزوجه الرءوم خديجة يشتد العذاب عليه ، فيذهب إلى الطائف داعياً أهله إلى هذا الدين الجديد ، فيسلط عليه عتبه بن ربيعة وأخوه شيبه السفهاء والعبيد والصبيان ، فيرمونه بالحجارة ويسيل دمه الزكي على أرض الطائف ، وكأن عتبه وشيبه يرقان له ، فيرسلان إليه بطبق عنب عن طريق خادمهما عداس ، وهنا يكون أول لقاء بين المسيحية والإسلام ، فيقدم عداس العنب للرسول ( ص ) فيتناول النبي ( ص ) ثمرة من ثمار العنب ، وقبل ان يأكلها يقول بسم الله ، فيستغرب عداس ،ويقول للنبي إن أهل هذه البلدة يا سيدي لا يعرفون هذا الكلام ، فقال له من أنت ، قال أنا عداس نصراني من نينوى ، بلدة بالعراق ، فيقول ( ص ) له : أنت من بلد العبد الصالح يونس بن متى ، قال عداس ، ومن أدراك به يا سيدي ، قال أنا نبي ويونس نبي ، فأقبل عداس يقبل يدي النبي ورجليه ، وعتبة وشيبة ينظران ، وبعد أن دخل عباس إليهما قال له ، ماذا فعلت ، قال والله لقد جئت رجلاً هو سيد الناس وأعظم الناس ،
فكان هذا هو أول لقاء بين المسيحية الحقة والإسلام ،
ثم رجع النبي ( ص ) إلى مكة وهو يقول { اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني ، أم بعيد ملكته أمري ، اللهم إن لم يكن علي بك غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، استعيذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي صختك ، فلك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك } ، وبعد هذا الدعاء الذي يقطع نياط القلوب ، يأتي جبريل إلى النبي ومعه ملك الجبال ، فيقول ملك الجبال له : إن أردت يا محمد ان نضيق عليهم الأخشبين أي الجبلان اللذان بمكة أجبناك ، فقال والدم ينزف منه : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، فقال له جبريل ، صدق من سماك الرءوف الرحيم ،
اللقاء الثاني بين المسيحية والإسلام  :
يوم ان اشتد العذاب والحصار على النبي ( ص ) وأصحابه ، أمر أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة ، فإن فيها ملك مسيحياً لا يظلم عنده أحد من الناس ، فإستقبلهم ملك الحبشة ولم يسمع إلى مؤامرات أعدائهم ، بل قال لهم ، أسمعوني ما جاء به محمد ، وهنا قال له جعفر ، إنه من أعظمنا نسباً ، ينصر الضعيف ، وينصح القوي ، ولا يفعل الحرام ، ولا يأمر به ، ثم تلى عليه ما شاء الله من سورة مريم حتى بكى النجاشي والبطارقة معه ، وقال قولته المشهورة " والله إن الذي جاء به محمد والذي جاء به عيسى لا يخرج من مشكاة واحدة ، ولو كنت عند محمد لغسلت قدميه وقبلتهما ، وقال للمهاجرين أنتم أحرار في بلادي ولن يضركم أحد ، ونزل القرآن الكريم يحكي هذا الموقف العظيم للنجاشي في سورة المائدة ، قال تعالى { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) } سورة المائدة ،
ثم كان اللقاء الثالث :
بعد أن قويت شوكة المسلمين وأصبحوا قوة مرهوبة الجانب ، جاء إليه وفد من نصارى نجران ، فإستقبلهم أحسن إستقبال ، وأدخلهم مسجده الشريف ، ولما حان وقت صلاتهم ، أمرهم أن يصلوا ما شاءوا في مسجده ، فإحترموا النبي وكرموه واعترفوا له بأنه أخو عيسى وشقيقه ، وهنا نجد النبي العظيم محمد ( ص ) يأمرنا نحن المسلمين إلى يوم القيامة أن نتعامل مع اهل الكتاب بالذات وخاصة المسيحيين بالأخلاق الكريمة والمودة ، حيث أننا هنا في مصر بالذات نعيش على أرض واحدة ونتظلل بسماء واحدة نشرب من نيل واحد ، ويشارك بعضنا بعضا في الدفاع عن مصرنا ، وهنا كانت وطنية المسيحيين وإخلاصهم لمصر، حيث شاركوا إخوانهم في كل الحروب والثورات ، كثورة 1919 م ، وثورة 1936 م ، ومعركة العدوان الثلاثي سنة 1956 م ، وقاتلوا مع إخوانهم أيضا في 1967 م ، حيث لم يميز العدو بين مسيحيين ومسلمين ، وقاتلوا حتى النصر سنة 1973 م ،
وقال البابا شنودة نفسه : ليست مصر وطن نعيش فيه ، ولكننا وطن يعيش فينا ، لأنه قرأ أن الإسلام يحافظ على أماكن عبادة النصارى ، وكتبهم وأرواحهم وأعراضهم وكل ما يملكون : -
1- المحافظة على الكنائس : بين الله تعالى أن الله أمر المسلمين أن يجاهدوا أعداء المسيحية وأعداء اليهود أيضا ، الذين يريدون أن يستحلوا أماكن عبادتهم ، فقال في سورة الحج { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ( 40 ) }
 فالكنائس هي كنائس النصارى الكبيرة ، والبيع هي الكنائس الصغيرة ، والصلوات هي كنائس اليهود ، والمساجد هي مساجد المسلمين ، ومن هنا فإن الإسلام يحافظ على هذه الأماكن بالنسبة لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة ، ولا يعرضض لأماكن عبادتهم بسوء ، بل يعتبر إلى من أساء إلى كنيسة اثما ومجرما وعلى رئيس الدولة أن يعذرا ، والتعذير قد يصل إلى الإعدام بل نحن المسلمين نطالب بالإعدام لكل من يسيئ إلى أماكن عبادة المسيحيين واليهود غير المحاربين
2- المحافظة على الأبدان والأرواح وعدم الظلم : قال تعالى : { لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) }
3- قال ( ص ) من آذى ذميا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ، وقال ( ص ) من قتل معاهد لم يرح رائحة الجنة
4- وقد طبق عمر الفاروق هذا فقد مر يوماً من الأيام ، فوجد رجلاً رث الهيئة ، فقال له من أنت ، قال له أن كتابي ، قال من أي أهل الكتاب أنت ، قال يهودي، قال من صيرك إلى ما أرى ، قال الجزية والسن ، وهنا أخذت الشفقة عمر ، وأخذ بيد الرجل ،وذهب إلى خزائن بيت المال ، وقال انظر إلى هذا وضرباءه ، فوالله ما انصفناه إذ أكلنا شيبته ، وتركناه في شيخوخته .
5- وقصة عمر في العدالة مع المصري القبطي ، أشهر من أن تذكر ، حيث إقتص عمر من ابن والي مصر لصالح المصري القبطي
6- بل أن هناك ما هو أعظم يوم أن ذهب عمر إلى بيت المقدس ودخل كنيسة القيامة ،فرأى قسيساً مسننا ، فحنى الظهر ، فقبله عمر وبكى وقال " ألك حاجة ، ألك حاجة ، ألك حاجة ، ثم حان وقت الصلاة ، فخرج عمر من كنيسة القيامة ليصلي خارجها ، فقال له البطريارك : صلي هنا يا أمير المؤمنين ، قال : أخشى أن أصلي هنا فيجيئ المسلمين من بعدي ويقولون ، هنا صلى عمر ويتخذونها مسجداً .
7- واحترم النبي كتب النصارى واليهود ، فقد كانت هناك معركة بين النبي واليهود ، فحصل اليهود على نسخ من التوراه ، فأمر النبي بالحفاظ عليها حتى جاءوا اليهود وطالبوها من النبي ( ص ) فأعطاها لهم كاملة غير منقوصة ، ولا بها أي خلل ، مما جعل العالم الحر والكتاب الأحرار يقولون أن محمد أعظم إنسان عرفته البشرية ، ثم يأتي المعاصرون لنا اليوم ، فيقولون ما أعتدى محمد على أحد ، ولا أعتدى المسلمون على أحد ، ومن أراد صدق كلامي فليقرأ لأبناء مصر الأحرار من المصريين مثل الدكتور نظمي لوقا في كتابيه :
     أ – محمد الرسالة والرسول
     ب- محمد في حياته الخاصة
وليقرأ ولي العهد البريطاني شارلز الذي ذهب خصيصاً للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي لا يعرف شيئاً عن الأديان وسماحتها ، فقال له : أيها الرئيس ، إقرأ الإسلام قبل أن أن تحكم عليه وعلى أتباعه ، ومن هنا وجدنا رئيس كنائس كانتربيري يقول : إن الإسلام يجب أن يطبق في لندن لأنه دين مليئ بالأفضال والشريعة السمحاء ،
وختاما أقول : إن الذي فجر كنيسة العراق هم اسرائيل ، والذين يهددوننا هنا في مصر ويهددون كنائسنا ومساجدنا إنما هم ايضا اسرائيل ، والذين ضربوا البرجين في امريكا هو الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية ، ضربوا البرجين ليحتلوا العالم الإسلامي ، وقد احتلوا بعضها ، واليوم يضربون كنيسة العراق ، ثم يفكرون في كنائس مصر ليحتلوا اليمن ، ثم تليه بقية البلاد العربية تنفيذاً لبروتوكولات حكماء صهيون التي تقول : ابدءوا بالدويلات الصغيرة في العرب والمسلمين واختموها بمصر ،
وهنا أقول للحكام العرب وكل عربي سواء أكان مسلماً أو مسيحياً : استيقظوا وكونوا حزيرين ، فإن اليهود هم أعداء الشعوب ، وليس لهم عهد ولا ميثاق ، فهم لا يريدن من النيل إلى الفرات فقط ، ولكن يريدون من المحيط إلى المحيط

وإلى لقاء قريب
أ . د . محمود مهني محمود
نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا
وعضو مجمع البحوث الإسلامية